أقمنا أمس عيد رقاد والدة الإله الذي يعني اولا انها ماتت لأن الموت نتيجـة لخطيئـة آدم لأنه 'بإنسان واحد دخلَتِ الخطيئةُ الى العالم وبالخطيئة الموتُ' (رومية 5: 12). وعلى الرغم من انها لم تخطئ هي شخصيا ذاقت نتيجة الخطيئة الاولى. ماتت غير ان الله حفظها من الفساد ومن الاهتراء وعاينت مجد الله الذي لا يعاينه احد إلاّ بعد القيامة.
لا يقول العهد الجديد شيئا عن سيرتها بعد العنصرة. غير ان التراث المسيحي الشرقي الذي نقله الينا الأقدمون يقول انها ماتت في اورشليم ونقلها ابنها وسيدها اليه. ايقونتها تمثلها محاطة بالرسل الذين كانوا لم يغادروا بعد اورشليم، ويكون السيّد هكذا استدعاها اليـه في السنوات العشر او الاثنتي عشرة التي تلت قيامة المخلص. كذلك الايقونـة تمثل السيد واقفا بقرب نعشها حاملا روحها لندلّ بذلك على تمجيدها.
لقد انعكس عليها نور المسيح. ولذلك نعيّد لحبل حنة أُمّها بها مثلما نعيّد للبشارة، ونقيم عيد مولدها كما نقيم عيد ميلاده. اما ذكرى الرقاد فتعكس فكرة موته وقيامته. لقد ارادت الكنيسة ان تجعل في حياتها مراحل شبيهة بالمراحل الكبرى التي مر بها السيد لتوحي انها ملازمته في المجد. ولذلك ترتل لها انها 'أكرم من الشيروبيم وأَرفع مجدا بغير قياسٍ من السيرافيم'، وتقول عنها انها ملكة ('قامت الملكةُ عن يمينِكَ')، وتغنّيها في خدمة المديح الذي لا يُجلَس فيه وتطلق عليها ألقابا ذات طابع شعري لنرتفع الى تلك التي صارت مندوبتنا الى السماء.
من الواضح ان ليس عندنا عقيدة تتعلق بوالدة الإله، غير اننا سمّيناها كذلك في مجمع افسس وهو المسكوني الثالث (سنة 431). لا تقول هذه العبارة شيئا مباشرا عن السيدة العذراء، ولكنها تؤكد مضمون ما جاء في المجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدون السنة الـ 451 والذي قلنا فيه ان المسيح اقنوم واحد (او شخصية واحدة) ذو طبيعتين إلهية وانسانية هما معا 'بلا انقسام ولا انفصال ولا اختلاط ولا استحالة'. ومَنْ كانت أُمّ شخص المسيح الكامل جاز أن نسمّيها والدة الإله بسبب ما نسمّيه 'تبادُل الخواصّ' او 'تبادُل الصفات' في المسيح. هذا لنؤكد ان الذي كان في حشاها إله وانسان معا. طبعا من الواضح انها ليست أُمّا للآب الأزلي وللروح القدس الأزلي.
والتي كانت أُمّا ليسوع هي بنتيجة ذلك -روحيا- أُمّ لأحبائـه. ولهذا قال المخلِّص على الصليب للتلميــذ الحبيب: 'هذه أُمّك'. اجل، يقـول التقليد الشريف ان هـذا التلميـذ بالذات هو يوحنا الإنجيلي. ولكن النص لا يقول هذا. من هنا انـه يجب ان نفهم انها أُمّ لكل تلميذ حبيب.
امومتها هذه بالنسبة إلينا نعيشها في الصلاة، في الابتهال اليها. اتصالنا بها بالصلوات مبنيـة على قولها هي لأليصابات: 'ها منذ الآن تُطوِّبني جميع الأجيال'. كيف نذكرها مطوَّبة إِن لم نخاطبها؟
ربما وقع بعض المؤمنين بالمغالاة اذا ذَكَروها وحدها. هؤلاء لا ينبغي ان نجرحهم ولـكن ان ننقّحهم. يجب تذكيرهم بأن مريم كانت قيمتها بأنها قبلت المسيح وبأنها كانت تحفظ كلامـه وتردده في قلبها. ولذلك قلما كانت عندنا ايقـونات لها منفردة. الأكثريـة الساحقـة من ايقوناتها تمثّلها حاملة يسوع. المهم هو المحمول وهو المخلِّص.
يبقى ان نستفيد منها، ان نكون مثلها ليس فقط في الدعاء ولكن في السلوك. ولهذا يعلّم القديس مكسيموس المعترف ان كل نفس عذراء هي مريم جديدة. ويريد بذلك اي نفس تتقبل فقط كلمة الله زرعا فيها. هذه النفس الخاضعة للسيدة مريم جديدة لأنها تُطْلِق المسيح في العالم.
.
الأرشمندريت توما (بيطار) رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما - See more at: http://www.mjoa.org/cms/index.php/others/2011-12-29-09-32-16/9853-2014-02-18-15-40-18#sthash.qityfTSQ.dpuf
2014-02-23
هذه الأيّام!
هذه الأيّام!
قال لي محدِّثي: أنا محبَط وحزين! أين الله؟! كأنّه تخلّى عنّا! وحشيّة مَن يكبحها! فوضى أخلاقيّة عارمة! ق....