- الكرم قيمة خلقية و اجتماعية رفيعة, تحلّى بها العربي, وتغنّى بها الشعراء وخاصة في بيئة الصحراء و البادية ، والكرم يأتي من الإيثار والتضحية, والابتعاد عن الأنانية, والحرص, وبرز الشاعر الفارس حاتم الطائي, وعرف من خلال هذه القيمة الاجتماعية النبيلة الايجابية, وقد فطرت نفسه على العطاء والكرم، وسلكت من مساعدة المحتاجين مذهباً لها, ونالت الخلود بذلك.
- ويعتبر الكرم بطولة خلقية, تمتزج بالبطولة الحربية والنفسية,وهذا ما أكدّه الدكتور شوقي ضيف بقوله:( الكرم سَنَدَ بطولة العربي, ودعمها دعماً ,فقد نبتتْ جذوره في أعماق التغلّب على شحّ النفس...فإذا الكريم يشبع الجائع من قومه، ويقري الضيف أيّ ضيف, حتى لو كان من خصومه . وتلتقي مع شجرة الكرم فروع وغصون كثيرة , إذ يفرّج البطل الكريم غمة كل مكروب.وإذا كان قد حمى الجائعين من كربة الجوع, فأولى أن يحميهم من كرب التشرّد في متاهات الصحراء).
- والكرم قيمة اجتماعية إنسانية ايجابية ثابتة في كل عصر , ولكن تتغير حاجة المحتاج وفقاً لمتطلبات العصر,ما عاد الكرم مقتصراً على الطعام والشراب,بل تجاوز ذلك إلى وسائل العيش الجديدة والكثيرة, و إلى الحالة الوظيفية,والاجتماعية وبقي الكرم في المال أو النفس هو المعيار الحقيقي , وإلى اليوم تبقى هذه القيمة محطة اعتزاز وفخر لصاحبها.
- وتختلف مظاهر هذه القيمة في الوقت الحاضر , ونجد من يطرد المحتاج من بابه, ويدّعي العوز مثله أو يضجر من وجوده, ولسنا بصدد الحديث عن المحتاج الحقيقي والمدعي, وحتى غدا الضيف كالهم على صاحب البيت, وبعضهم لا يبخل بالموائد العامرة ,عندما تكون له مصلحة ذاتية من وراء هذا الكرم المزيّف , وأقيمت المطاعم والاستراحات والمقاصف لكي تحدّ من هذه القيمة الخلقية الاجتماعية الايجابية التي تعتبر رأس القيم النبيلة.
- أما الذين يركضون لجمع المال والبخل على نفسهم وعلى الآخرين في هذا الزمن المصبوغ بالصبغة المادية ومتطلباته الكثيرة هؤلاء يخربون العلاقات الاجتماعية, ولا يتركون الصيت الجيد والسمعة الحسنة لهم,وقد كتب الجاحظ الأديب المعروف في العصر العباسي كتاباً عن البخلاء وقصصهم التي تستدعي العجب, وفيها المفارقات الكثيرة, وكيف يعزز البخيل العلاقات الاجتماعية؟ وهو يبخل بشيء بسيط ورخيص, والحياة الحضرية في العالم المعاصر قلّلت من أهمية هذه القيمة, وهذا عائد للظروف الاقتصادية والحياتية.
- وهكذا رأينا أنّ الكرم قيمة ايجابية إنسانية خالدة , وفي كل عصر يبرز الكرماء الذين طبعت نفوسهم بالكرم وإن اختلفت الطرق من عصر إلى عصر آخر,وقد انطلقت قيمة الكرم في الوقت الراهن عبر الجمعيات الخيرية, وعبر التبرعات وما تزال هناك البوادر الفردية في تجسيد هذه القيمة.
|