تنطلق بنا الذاكرة إلى الوراء لتنسج بعبيرها الماضي ذكريات حميمة أغرقتنا وأعادتنا إلى تلك الأيام الخوالي التي كانت تنسج حكايات البراءة إنها أرض الخماس والبيدر...
بدات القصة منذ أكثر من عشرين عاماً حيث كنا نتردد لهذا المكان الجميل والمكسي بالعشب الأخضر وكنا نلعب ونمرح دون أن نشعر بالملل ...
قبل أن نبدأ بسرد قصة أيام زمان سأشرح لكم في لمحة سريعة عن أرض الخماس والبيدر
أرض الخماس ( أرض الدير )
أرض الخماس وهي أرض الكنيسة , بجانب صوامع الحبوب والمجاورة للحارة الشمالية , وكانت تلة صغيرة طولية تفصل بين أرض الخماس والبيدر , التي كان يستلمها المرحوم مطانيوس ميخائيل الأسعد من مواليد 1901 م , والسيد حناميخائيل الأسعد من مواليد 1904 م , و الخماس هذا اللقب الذي كان يطلق على الرجل الذي يستلم أرض الكنيسة نسبة إلى الخمس الذي يحصل عليه من انتاج الأرض , وكنا نلتقي هذا الرجل الموقر حنا الأسعد (رحمة الله عليه )
وكان هذا الرجل الكريم يزرع هذه الأرض حنطة وفور انتهاء الموسم يبادر في زراعة المقتي الصيفي والجبس والبطيخ وكنا نترد لهذا المكان وكان بجانب هذه الأرض بيدر مساحته حوالي 5 دونم..
هذه الصورة لأرض الخماس - ارض الكنيسة
أما بالنسبة للخماس حيث كنا نتردد الى خيمته المنصوبة في أعلى التلة الطولية الفاصلة بين أرض الخماس والبيدر والتي كان يجلس فيها هذا الرجل العجوز منتظراً رزقه وحين نتوجه اليه كان يستقبلنا في الخيمة الصغيرة ويحضر لنا الجبس والبطيخ ويطعمنا داخل الخيمة وبكل صدق حين كان يخرج موسه الصغير ليكسر البطيخة ويقسمها على شكل حزوز جميلة ويقدمها لنا نشعر بالفرح العجيب ونتذوق هذه الفاكهة اللذيذة في بداية قطافها وهكذا فالكرم الذي كان يتمتع به هذا الرجل العجوز لايُنسى والقصص التي كان يطلقها لنا لاتُنسى فبعد وفاته كان له أثر كبير في نفسي ونفوس الكثيرين من أبناءالبلدة لأن الذاكرة لاتنسى هذا الرجل المعطاء والمحب لأبناء بلدته , واستلم الأرض من بعده ابنه المصون الراحل منير أسعد من مواليد 1924 م , وكان يتردد أيضاً مع ولديه بدر و جميل للمضي في نفس المسيرة التي كان يتبعها الراحل اسعد فالكرم كان متوارثاً في هذه العائلة من جيل إلى جيل فالتاريخ يتحدث عن كرم وشهامة كبيرة لايمكن ان تكون على الهامش ...
صورة المكان الحالي هي للبيدر والذي يمتد على طول أرض الخماس
منذ حوالي العشرين عاماً كان شباب كفربو يترددون لهذا المكان الجميل ويمارسون أجمل أنواع الرياضة ( كرة القدم ) وكانت هناك منافسة بين الحارات فيجتمع الشبان آنذاك في كل يوم مساءاً وتحصل المنافسة فالحارة التي تفوز في المباراة وكانها ربحت مليارات وهكذا استمرت هذه اللعبة لتاريخ انشاءالمدرسة المقامة مكان البيدر / 1992 / مدرسة الشهيد بهجت محفوض ...
في الواقع ياأصدقاء كانت سيدات كفربو القديرات في تلك الأيام وكانت جدتي أم نعمة وجاراتها يترددون صباحاً في الساعة التاسعة يجلسون ويتسامرون وكانت الجلسات لاتخلو من الضحك والفرح للجميع وأذكر أن البعض منهن كانوا يقطفون النبتة المفضلة للطبخ وهي ( الخبيز – لسان التور ) وكل هذه الأكلات كانت مميزة في الطهي وأيضاً الهندوبة الشهية ...
صورة قريبة للواقع الماضي للبيدر والتلة الفاصلة بينه وبين أرض الخماس
أما في الصيف فكان البيدر في شهر الحصاد يمتلىء بالرزق المحصود من ( عدس – حنطة – كمون ... الخ ) حيث يجمع الأهالي مواسمهم ويضعونها في البيدر المذكور إلى حين مجيء الدراسة المخصصة لدرس المواسم وتنقيتها وفرزها , و هذه المواسم التي كنا نطلق عليها ( الشكارة ) كانت تخلق جواً جديداً للعب , فكنا نتخفى بينها , ونتسارع للصعود لأعلى الشكارة , وهذه أيضاً كانت لها بصمة كبيرة في نفوسنا.... وآه من تلك الأيام
ذكريات لايمكن أن تمحوها الذاكرة لأن بصمة التاريخ باقية في قلوبنا وعقولنا , وربما لن يكترث هذا الجيل بهذه الذكريات , ولكن الشباب الذين مروا بتلك الأيام , لايمكنهم نسيان الماضي العريق الذي نعتبره إرثا عريقاً عبر العصور وأحببت أن أذكر هذه المحطات لتبقى معلقة في ذهنكم ولتبقى هذه البصمة متوارثة من جيل إلى جيل ...
شكرا لكم ودمتم بألف خير
|