حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
مقالات و أراء |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
غازي الخطاب |
2010-07-04 |
السعادة والسعداء |
 |
السعادة لغةً الاطمئنان والفرح والرضا, والسعيد يقابله الشقيّ وقد ورد ذلك في البيان القرآني 'فمنهم شقيٌّ وسعيد '
وليس غريباً أن تتعدد وتتنوع آراء المفكرين والفلاسفة الذين حاولوا وضع تعريف جامع للسعادة, ومرد ذلك كما أرى إلى اختلاف الشعوب والمعتقدات والثقافات القديمة والمعاصرة.
وقد تطرّف بعضهم فنفى وجودها ورأى أنّ توهّم السعادة هو السعادة.
ولست الآن بصدد تدعيم هذا الرأي أوتفنيد ذاك, وأجدني مشدوداً إلى الواقع الذي نعيشه بعقولنا وجوارحنا وعواطفنا والذي هو محكّ نجاح أو فشل كلّ الأفكار والنظريات .
لقد ظنّ الكثيرون أن المال لأهميته ولكونه عصب الحياة هو مفتاح السعادة, وحين كنز هؤلاء العملات السهلة والصعبة شغلتهم أموالهم عن أنفسهم وأهليهم, وازدادوا تجهماً واضطراباً وشروداً, وازدادوا بعداً عن أصدقائهم ومعارفهم, وابتعدوا عن الناس, وهؤلاء تغيروا شكلاً, أما مضامينهم فقد أصبحت مرتعاً للهمّ والريبة والتطلّع المحموم والوصولية, وضاع في زحام الحياة منهم مفتاح السعادة, بل ربما خسر بعضهم نفسه وأهله وأولاده .
وظنّ بعضهم الجاه سبيلاًَ إلى السعادة, لكنّ السحر انقلب على الساحر فدفع هؤلاء ثمناً باهظاً من حياتهم وعلاقاتهم وممتلكاتهم, ونسوا في خضمّ مشكلات الحياة حتى أنفسهم أيضاً وتفرقت بالآخرين السبل, فمن ظانٍ أنها أي السعادة في الجوّ الأسريّ المثاليّ الذي يسوده الحبّ والتفاهم, ومن ظانٍ أنها والنجاح صنوان لا يفترقان, ومن ظانٍ أنها قرينة الإبداع, ومن ظانٍ أنها كلّ ما ذكر آنفاً.
ولعلي سأضيء حقيقة ما يشعر به المبدع, فالشاعر مثلاً يشعر بسعادة غامرة عندما ينهي قصيدته, ويترجم فكره ومشاعره ومعاناته شعراً يأخذ بمجامع القلوب, لكنها السعادة آنيّة تسطع ثم تختفي وراء سحب الحياة الداكنة التي تشكّل همّاً جديداً ومعاناة جديدة, فيكتب الشاعر من جديد معبراً عن رؤاه ومشاعره, وحين ينتهي ينتابه شعور بالسعادة لكنها سرعان ما تختفي من جديد وهكذا.
فلو كان هماً واحداً لا تقيته, ولكنه همٌّ وثانٍ وثالثُ... الغريب المحيّر في هذا الأمر أن حياة آبائنا وأجدادنا الخالية تماماً من الأثاث والرياش والديكورات والتقنيات ووسائل المواصلات الحديثة والاتصالات المذهلة عرفتْ شيئاً من السعادة وإلاّ كيف نفسّر غناء العائدين من حقولهم وأعمالهم بعد نهار من الكدح المضني وكيف نفسر ابتهاجهم وحبورهم وهم يتناولون أبسط الأطعمة والأشربة؟ وكيف نفسر أجواء الودّ والنقاء والصفاء التي كانت تسود حياتهم؟ أهي القناعة بما قسم الله بعيداً عن الجشع والحسد والطمع ونيران الغيرة؟ أم الرضا بالقليل الكافي والطموح المشروع؟ أم البساطة بعيداً عن تعقيدات الحياة ومشكلات العيش؟ أم نقاء السريرة أم صفاء القلوب؟ أم فيض الحبّ المتدفق بين الأهل والجيران والأصدقاء؟ أم كلّ ذلك؟
ولا أدري هل تغيرت الحياة أم نحن الذين تغيرنا, وهل فاتنا قطار السعادة أم نحن نسير في اتجاهات معكوسة.
أظن أننا عندما نفتح نوافذ بيوتنا لأشعة الشمس ونسائم الربيع, ونفتح قلوبنا للخير فتغدو آهلة بالحبّ والرضا, ونصغي لصوت الحقّ, ونتطلع جميعاً إلى وطن عزيز ناهض وأمّة قويّة موحّدة وعندما نعزز ثقافة العطاء ونرجم 'الأنا' المتضخمة على حساب الآخرين, فإننا نقترب من حدود السعادة, وربما حلّقت السعادة هازجة مثل طائر السنونو وفي فضاءات بيوتنا حيث الحبّ والمأمن والفرح وكسرة الخبز الأسمر. |
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|