صدر عن 'منشورات النور' الارثوذكسية، كتاب شديد الدسم فكرياً ولاهوتياً لعدة مؤلفين تحت عنوان جامع: 'الحرية في ابعادها الحضارية' يضم خمسة محاور:
المحور الاول عن حرية الفكر وساهم فيه الدكتور اسعد قطان عن 'حرية الفكر الديني: مغامرة ام حوار؟'. والدكتور جورج دورليان عن 'الحرية في الابداع الادبي'، والياس شلهوب عن 'حرية العالم المؤمن' والدكتور شربل داغر عن 'الفن والحرية'.
المحور الثاني عن 'حرية التعبير' ويتضمن دراسة للدكتور خريستو المر عن 'حرية التعبير في الثقافات المتعددة الواسطة'.
المحور الثالث عن الحرية في التربية يتمحور حول دراسة للدكتور جورج نحاس عن 'الحرية والتربية او جدلية بناء الاشخاص'.
المحور الرابع عن 'الحرية وصوغ الحضارة' وقوامه دراسة للأب الدكتور مشير عون عن 'الحرية ضمان التعايش'.
المحور الخامس عن 'الحرية في المجتمع' ويضم دراسة للأب الدكتور جورج مسوح عن 'الحرية بازاء القيم والاخلاق' ودراسة للدكتور انطوان عبود عن القانون كضامن لحرية الانسان والمجتمعات' ودراسة للدكتور كارول الشرباتي عن الرابطة بين الرأسمالية والديموقراطية في المنطقة العربية، ودراسة للدكتور بول سالم عن 'مسألة الحرية في تاريخ الفكر السياسي'.
مقدمة الكتاب لعميد معهد يوحنا الدمشقي للاهوت التابع لجامعة البلمند، الدكتور جورج نحاس نقتطف منها:
موضوع الحرية مهم للغاية وقد يشكّل المظهر الاقوى لخصوصية الانسان. فهي إحدى القيم الانسانية الأكثر تجاذباً في الخطاب الديني كما في الخطاب السياسي او الفلسفي. الموضوع شائك بسبب التوتّر القائم بين الخطاب والممارسة، وذلك على أكثر من صعيد. والاهتمام بالحرية هو محطّ أنظار المثقفين لأنها عنصر اساسي في خلق مناخ مناسب يسمح بالابداع وبالتفوّق وبرفع الانسان من واقع التخلّف الى واقع الشراكة في صوغ مستقبل أفضل للانسانية.
فهل من إطلالة 'حضارية' في عالمنا اليوم تسمح بمقاربة الموضوع من كل جوانبه بموضوعية وجرأة؟
بالعودة الى الرواية الكتابية حول حياة الانسان في الفردوس، يبدو لي أن هذه الرواية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بإشكالية الحرية. الانسان هو 'الحيّ' الوحيد الذي أعطي 'خياراً' ما في الفردوس. وهذا الخيار خيار تحد: فيه قرار وفيه مسؤولية. فالقرار هو قرار الاستغناء عن الله كمدخل 'للمعرفة'، أما المسؤولية فهي الموت أي الابتعاد عن مصدر الحياة أي الله. لو لم تكن للقرار نتيجة لما كان الخيار حقيقياً ولكانت الحرية مجرد دمية أعطاها الله للانسان.
أتوقف عند هذه الرواية ليس بسبب بعدها الديني وبخاصة لنا نحن المشرقيين، بل لأنها تعطي لمقولة الحرية بُعداً وجودياً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخصوصية الانسان ككائن حيّ. فالانسان من حيث كينونته:
أ - توّاق للمعرفة، وهو مستعد للمجازفة بأي شيء من أجل التوصل اليها. وهذه المعرفة المرجوة هي معرفة عمق الاشياء وليس سطحيتها. المهم هنا ليس التوقف عند الكيف بل عند عملية التوق الى المعرفة والتي هي ايجابية بحد ذاتها.
ب - مستعد للخيار بين أمور مختلفة، معلناً بذلك عن حريته وعن استقلاليته باتخاذ هذا القرار. طبعاً، يتأثر الانسان بما يحيط به في عملية اتخاذ القرار هذه. وما 'التجربة' التي يتكلم عليها القرار الا وجه من وجوه اختلاف الضغوط التي يتعرّض لها الانسان. هذه الواقعية في وصف الامور، مهما يكن تفسيرها الديني، تبقى ميّزة انسانية مهمة لأنها تعبّر عن تفاعل الانسان مع محيطه وهو بذلك يترفّع عن موقع 'التكيّف' الذي لباقي الكائنات الحية، ليدخل موقع 'الفعل' وتغيير الواقع بسبب حريته.
ج - يتحمّل المسؤولية المترتبة على القرار النابع من حريته. هذه المسؤولية ليست تابعة لعوامل خارجية لكنها 'معقولة' من الانسان ولذلك هو يتحمّل تبعاتها جيلاً بعد جيل الى أن يتم التغيير بقرار حر مماثل.
تشكّل هذه الامور الثلاثة مجتمعة أهم عنصر ربما من عناصر خصوصية الانسان. فمن حيث هو عضو في مجتمع، ستبقى هذه تلازمه وتضعه في صراع مع محيطه أو في وئام وفق ما تؤول اليه نوعية العلاقات المجتمعية وتطوّرها. فالمعرفة حافز اساسي يجعل الانسان يطمح دوماً الى الأفضل والى الارتقاء من وضع الى وضع أرفع. والحرية هي المحرّك الذي يجعل هذا الحافز يصل الى مأربه واضعاً الانسان أمام تبعات خياره. هذه الصورة الدينامية صحيحة في أي نوع من أنواع العلاقات المجتمعية، وهذا ما يسعى هذا الكتاب الى طرحه.
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....