حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
مقالات و أراء |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
بقلم: الأرشمندريت إيليا طعمه |
2012-05-22 |
المساهمة المسيحية في فكر النهضة العربية ... فرنسيس المراش نموذجاً (1835- 1874) |
 |
المساهمة المسيحية في فكر النهضة العربية ... فرنسيس المراش نموذجاً (1835- 1874)
بقلم: الأرشمندريت إيليا طعمه

لم يكن الدور الذي لعبته حلب في تأسيس النهضة الفكرية العربية أقل بأي شكل من الأشكال من الدور الذي لعبته القاهرة وبيروت, ومع ذلك لا نجد في أماكن عديدة إشارات إلى هذا الدور إلا في الإطار العام. ولكن ماذا عن مساهمة المسيحيين العرب في تيار النهضة العربية?
المساهمة المسيحية في فكر النهضة العربية
تجسدت المساهمة المسيحية في تأسيس وتأصيل فكر التيار النهضوي العربي عبر جيل من المفكرين المبدعين. فآل اليازجي في لبنان مع بطرس البستاني وانطوان فرح وجرجي زيدان قدموا الكثير إلى النهضة العربية. وقد قدمت حلب, على وجه الخصوص, الكثير من المفكرين المسيحيين من أمثال: فرنسيس المراش, مريانا المراش, جبرائيل الدلال, قسطاكي حمصي, ميخائيل الصقال, باسيل فتح الله وغيرهم.
يكتب المفكر الإسلامي أبو بكر باقادر ما يلي: 'قبل الوصول إلى النصف الثاني من القرن العشرين, نود أن نستعرض طرفا من إسهامات عربية جديدة لعبت دور الوسيط والقنطرة بين الفكر العربي الإسلامي وأفكار العصر الحديث, وذلك ما قامت به نخب عربية مسيحية, كانت لها إسهامات مشكورة, وبالذات في مجال التعريف بالفكر الغربي والحديث منه تخصصا. فهذا فرنسيس المراش يقدم بدايات لهذه الوساطة أو القنطرة في نقل الفكر الغربي بلسان عربي, وكان من الواضح أن دور هذه النخب هو المشاركة الفاعلة في عملية النهضة والتجديد في الفكر العربي الإسلامي عموما'. ويتابع هذا المفكر الإسلامي: 'لعبت النخبة المسيحية العربية دورا متميزا في نقل وترويج مفهوم العلم كما تشكل في المغرب في النصف الأول من القرن العشرين, ولقد استمر هذا الدور في النصف الثاني من القرن العشرين, لكن بشكل أكثر تفاعلا ولم يقتصر على إبراز ما في الغرب'.
من هو المراش?
هو فرنسيس بن فتح الله بن نصر الله المراش, أديب مسيحي حلبي من أدباء النهضة العربية. ولد في حلب في 29 حزيران 1835 لأسرةٍ عريقة في الثقافة. تلقّى فرنسيس علوم الطبّ في حلب على يدي طبيب إنكليزي مدة أربع سنوات, ثمّ سافر في العام 1867 إلى فرنسا للحصول على إجازة تخوّله حقّ ممارسة المهنة, غير أنّ مرضاً أصابه في باريس عوّقه عن إنجاز ذلك, فعاد إلى حلب التي سرعان ما فقد فيها بصره وصار يكتب عن طريق الإملاء, وتفرّغ للتأليف حتى وفاته المبكرة في 29 حزيران سنة 1874.
تعلم فرنسيس علوم العربية وآدابها. وعلى الرغم من أنّه بدأ حياته الأدبية شاعراً, فإنّه سرعان ما هجر كتابة الشعر, لينكبّ على دراسة العلوم واللغات, ثمّ على التأليف في مجالات فكرية وإبداعية مختلفة. كان يتقن إلى جانب العربية الفرنسية والايطالية التي عرب عنها رواية كبيرة. من رواياته: دُرُ الصَدف في غرائب الصُدف, المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية وأشهر رواياته طبعا غابة الحق. من أشعاره: ديوان المرأة الحسناء, وديوان رحلة باريس.
إن إلمام المراش باللغات الأجنبية فتح أمامه عواصم ظلت مغلقة أمام كثيرين فاندفع في اكتشاف عوالم الأدب ولم يقتصر عليها وحدها بل قرنها بدراسة العلوم الطبية فجمع بين العلم والفن وبين الإبداع والتفلسف. اعتبره مارون عبود زعيماً من زعماء الأدب: 'هو من اجترأ على نَشد الحرية يوم كانت الأفواه مكمومة'. وبحسب جابر عصفور: 'كان المراش واحداً من العقول الاستثنائية التي حلمت بالنهضة وسعت إلى تأسيس الحضور المحدث للمجتمع المدني'.
ارتباط فكر المراش بعصره وبالفكر المسيحي
يرتبط فكر المراش النهضوي بالخط العام لتيار النهضة العربية من جهة وبالفكر المسيحي من جهة أخرى. فموقف المراش من العلم يتشابه إلى حد كبير مع موقف الطهطاوي وعبده وغيرهم. لا يمكن فهم المراش إلا ضمن الظروف الفكرية والتاريخية التي كتب وأبدع فيها. تفتّح وعي المرّاش وكتب معظم نتاجه الفكري في ظلّ تيّار إصلاحي عاصف ضد السلطان العثماني.
ولا يقلل في حال من الأحوال تصادم المراش مع السلطة الدينية آنذاك والتي وصلت إلى حد اتهامه بالإلحاد من تشبع أدبه وفكره بالطيف المسيحي. وإذا يطالب المراش في روايته 'غابة الحق' بإنشاء 'دنيا جديدة يسودها السلام ويرف فيها الوئام' فهو يأتي من الإنجيل الذي 'يجعل كل شي جديدا' (رؤ 21: 5), ويبشر ب¯'سماء جديدة وأرض جديدة' (أش 66: ,22 رؤ 21: 1).
إن مفردات المراش مفعمة بروح الكتاب المقدس وكلماته. يؤكد المراش على مقولة أنه يأتي من الكتاب المقدس ومن التراث المسيحي عامة, عندما يستخدم شخصيات مثل: قايين, وامرأة لوط, وهاجر, ويعقوب, ويوسف, ويوليوس كأمثلة عن الحسد. لا يقتبس المراش من الإنجيل نصوصا كاملة وهو بهذا يسير على خطا الكثير من أعلام حركة التنوير العربية التي اتسمت مفكريها بالابتعاد عن النزعة الدينية خاصة المسيحيون منهم ولكنه يكتب على وقع صدى كلماته في آذان فيلسوف نهضوي متنور.
وطنية المراش وحسه القومي:
اتسمت حركة التنوير العربية بعامّة بابتعاد أعلامها عن التعصّب الديني. إن يقظة وعي الذات عند المفكرين المسيحيين الشرقيين تتصل بحسهم التقليدي الديني أحيانا, وبنزعة الموائمة بين فكر الحداثة الأوروبي العلماني والهوية الدينية الشرقية. إن هذه الصفة تحديداً مازالت تميّز المسيحيين العرب الذين يعيشون مع المسلمين أبناء وطنهم الواحد بعيداً عن كل نوع من التعصب الديني.
يدعو المراش في تنويره إلى: محبّة وطنية منزّهة عن أغراض الدين, بل ويملأ روايته أيضاً بتضمينات قرآنية دالّة على 'تضافر عمليتي التنوير والتنوّر لديه', على حد تعبير الدكتور نضال الصالح. يفتخر المراش بعروبته كما يفعل حتى اليوم كل مسيحي في عرض البلاد وطولها. إنه الحس الوطني الذي يجمع كل أبناء الوطن الواحد.
ونختم هذه المقالة ببعضٍ من أبيات شعره التي يفتخر ويعتز من خلالها بقومه العرب:
حتى متى تزرون يا إفرنج بالعرب/ مهلاً فلا خير بابن قد زرى بأبِ
إن كان بالعلم جئتم تفتخرون/ فمن معالم العرب كل العلم والأدب
تذكروا ما غنمتم يوم ندوتكم/ في أرض أندلس من تلكم الكتب |
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|