الخيانة هي إحدى أقسى الأمور التي يمكن أن تواجهك في حياتك. إنه أمر مؤلم بالعمق. تخيّل شخص قريب منك وأن تثق به كل الثقة يخونك ويجرّح بك أمام الناس وفي العلن ويقول أشياء لا تمت بصلة لأرض الواقع أو غير صحيحة عنك. بل ويتواصل مع أصدقاء ومعارف آخرين لك ويقول أشياء مليئة بالأكاذيب والإدعاءات الباطلة عنك. قد تصل الى مرحلة تكتشف فعلاً أن كل الناس المحيطين بك صدّقوا إدعاءات صديقك، بل صاروا يكرهونك ويتمنون لك السقوط في الهاوية. يخالجك شعور، عندما تلتقي في الشارع بهؤلاء الناس الذين غُرِّر بهم، أن تختبئ في أقرب حفرة تصادفها لأنك لا تريد المواجهة معهم أو على الأقل لا تريد الحديث عن مكنونات قلبك وتُظهر لهم زيف ما سمعوه عنك. يخالجك شعور بأنه من الأفضل أن تنعزل عن العالم، ومن الأفضل ألا تثق بأحد بعد الآن مهما كانت علاقة القربة أو الصداقة، ذلك لأن نفسك متألمة وأنت مجروح إلى أبعد الحدود من أقرب الناس إليك.
هل صادفك شعور من هذا النوع وأنت تعاني من خيانة صديقك؟ ربما ... لن أخفيك قولي بأن الألم الذي يرافقك جراء الخيانة هو عظيم جداً. وتتساءل مع نفسك: يا تُرى هل تستحق الحياة أن تستمر دورتها كالمعتاد وكأن شيء لم يكن أم تنتقم شر انتقام من الذي خانك ووضع لك المكائد؟ هل يمكنك أن تثق بأحد بعد الآن؟ تُرى كيف يمكنك أن تتخطى الألم وتسير فيما دعاه الله إليك في حياتك؟
الجواب بسيط لكنه يحتاج إلى تأمل وحكمة وتعقـّل. فلديك نموذج عظيم لإنسان عانى خيانة عظمى أدت به إلى أن يصلب على عود الصليب. إنه المخلـّص يسوع المسيح.
يهوذا الإسخريوطي كان أحد تلامذته الاثني عشر. وكان قريباً جداً من يسوع، وسمع كلامه، وشهد على معجزاته، غير أنه اختار أن يخون معلـّمه خيانة ما بعدها خيانة. ولكن تأمل جيداً بردة فعل يسوع. ببساطة تابع المسيرة بدون توقف أو تردد أو إحباط. لم يسمح لخيانة يهوذا الإسخريوطي له بأن تثبّط من عزيمته في إتمام رسالته التي جاء من أجلها على الأرض. بل على العكس، ربما ساهمت تلك الخيانة في تعزيز رسالة يسوع.
لو تأملنا للحظات لاكتشفنا أنه ربما لولا خيانة يهوذا لما صُلب يسوع ... ولولا الصلب لما حدثت القيامة ... ربما يستخدم الله أحياناً أحداثاُ أو تصرفات أشخاص يضمرون لنا الشر أو الدمار ليَظهر مجد الله في حياتنا وليُظهر لنا حسناتنا ! فعلى الرغم من أن الخيانة التي عانيت أو تعاني منها قد تلهيك عن مسيرة حياتك لفترة من الوقت إلا أنها يجب أن تقوّي من عزيمتك وألا تجعلها تدمرك وتقود إلى حالة من اليأس والإحباط الأعظم.
طلب يسوع من أتباعه حتى محبة الأعداء .... أليس ذلك أمراً صعب التطبيق ! إنه أمر قاس فعلاً لأن الجراح التي تتركها خيانة الصديق عميقة جداً في قلبك وفي نفسك ! كيف تسامح وتحب بعد كل ما حصل؟
افتح قلبك لله... وضع كلّ ما عندك أمام مجده ... أخبره بما تشعر ... وكن صادقاً معه كما فعل داوود النبي في العديد من مزاميره ... وأسأله أن يجعل كل شيء بيـّناً في مكانه وزمانه ... ثم عُد إلى العمل كما اعتدت دائماً. لأن الحكمة والتجربة تقولان أنه لا يمكنك أن تكون شخصاً مؤثراً ومثابراً في حياتك إذا كانت هواجس وآلام الماضي تسيطر عليك بدل أن تسعى باجتهاد نحو المستقبل.
الخيانة تحصل من حولك خاصة إذا كنت في موقع مسؤولية ما أو صاحب رسالة في الحياة ... إن كنت من الأشخاص الذين لا يعرفون معنى المسؤولية أو الرسالة فإنك ستهتز أمام عاصفة الخيانة، بينما إذا كنت من الأشخاص الذين يتحمـّلون المسؤولية بكل إيمان وإخلاص وضمير حيّ فإنك ستسمح لله أن يستخدمك لطاعته ويجعل منك شخصاً يتحمّل مسؤولية أكبر من تلك التي كنت عليها. هكذا أيضاً ترك ديماس صديقه الرسول بولس (كولوسي 4: 14)، لأنه 'أحب العالم الحاضر وذهبَ' (2 تيموثاوس 4: 10)، ومع هذا أكمل الرسول بولس خدمته وجاهد الجهاد الحسن (2 تيموثاوس 4: 6 – 8)، غير عابئ بالأقاويل والخرافات والنمائم، ووثق بالله رغم أن كثير من الأشياء في حياته كانت تسير عكس ما يشتهيه أو يتوقعه من بعض الناس الذين أظهروا له 'شروراً كثيرة'، و'تركوه' (2 تيموثاوس 4: 16 – 18).
إذا كان الله يمتحنك في تجربة الخيانة، فإنه حتماً سيقودك من خلالها إلى بر الأمان (فيليبي 1: 6). لا تفقد ثقتك بالله وبالناس الذين وضعهم الله أمامك لتخدمهم ...
ابقِ المسيرة مستمرة رغم التحديات ورغم الخيانة... ولا تدع اليأس والإحباط يتسرّبان إلى حياتك ليقوداك إلى الخسارة.
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....