محاضرة لغير المختصين ألقاها الدكتور سامر كبّه
وهو استشاري أمراض عصبية
دبلوم في علم النفس
عضو الجمعية الأوروبية
والأكاديمية الأميركية لأمراض الأعصاب
القلق والكآبة
هما اضطرابان نفسيان شائعان يتميز الأول بشعور غير مريح بالتوتر أو الخوف ، ويتصف الثاني بشعور نفسي عميق بالأحباط أو الحزن .
في حياتنا المعاصرة أضحت عبارات مثل : عصبي ، متوتر ، مضغوط أو كئيب من مترادفات الحياة اليومية ، كما أصبح اللجوء للمساعدة والعلاج من ضرورات الحياة المعاصرة التي تتميز بضغوطات شديدة ومتنوعة .
هذه المحاضرة تهدف للتعريف بهذين المرضين : الأسباب ، الأنواع ، التظاهرات النفسية و طرق العلاج .
مدخل معرفي واجتماعي الى الأضطراب النفسي :
عُرفت اضطرابات الشخصية والمزاج منذ أقدم العصور، وكان أبقراط أول من وضع تصانيف للمزاج : كالصفراوي والناري والسوداوي ،
كما كان أول من اعطى وصفا للسوداوية MELANCHOLY كحالة متقدمة من الكآبة المرضية التي تؤدي الى تدمير الأنسان .
لقد مرت البشرية عبر العصور بتجارب كبيرة وبانقلابات جذرية مهمة : فقد عرفت البشرية الرق والعبودية ثم التحرر، وتأصل الدين كجزء من حيا ة الأنسان بعد أن تم الأنتقال من دين عديد الآلهة الى دين وحيد الاله. كما ظهرت ايدولوجيات متنافسة كالشيوعية والرأسمالية وقامت ثورات عديدة وحروب غيرت من مسارالتاريخ منها حربان عالميتان راح ضحيتهما الملايين من البشر .
من ناحية أخرى حدثت اكتشافات بيولوجية مهمة منها ما يتعلق بأصل الأنسان وبنيته التشريحية و منها له علاقة باكتشاف الأدوية وتحسن علاج الأمراض التي كانت تودي بحياة المرضى ، كما حدثت اكتشافات فيزيائية ثورية أهمها ما يتعلق بمصادرالطاقة كالكهرباء والوقود الحجري أو النفطي . الثورة الأخيرة هي ثورة الأتصالات والعولمة فقد دخل الأنسان عصر الديجيتال الرقمي وحولت وسائل الأتصالات الحديثة العالم الى قرية صغيرة .
كل ما تقدم أدى الى زيادة سيطرة الانسان على حياته ولكن بنفس الوقت زادت فيه صعوبات التكيف معها !!
يمكن القول اذا ً أن الحياة المعاصرة حملت للأنسان الكثير من التغيرات
الأيجابية منها والسلبية لكنها حملت له ايضا ًالكثير من التحديات كالتحديات المعرفية التي تتمثل بزيادة هائلة في الكم المعرفي المتوفر والتي استدعت التحول لعصرالأختصاصات في كافة المجالات وأصبح بامكان طالب المعرفة الأستزادة الى مالانهاية ، أما التحديات التكنولوجية فتتعلق باغراق السوق الأستهلاكية بمنتجات تكنولوجية حديثة ومتنوعة لكنها معقدة أيضا ً تزيد مواصفاتها غالبا عن الحاجة .
برزت أيضا ً تحديات ايدولوجية – ايمانية وأصبح للمجتمعات البشرية معتقدات مختلفة وأحيانا ً متضاربة ولم يعد الناس يؤمنون بالمعتقدات نفسها مما دفع البعض الى التنظير والتبشير بصراع للحضارات أصبحنا نتلمس تجلياته يوما بعد يوم .
هذه التحديات مجتمعة زادت من الضغوط على الأنسان الذي أضحى حائرا ً أمام الأختيارات الكثيرة المتاحة وكيفية التوفيق فيما بينها .
العصر الحديث اليوم يتسم أيضا ً بالمادية المسيطرة ، فهناك تراجع للروحي أمام المادي وأصبحت القيمة لما نملك و نقتني و ليس لما نعرف أو نفكر او نشعر ، كما أدت هذه المادية الى نمط حياة مشحون بالتنافس السلبي ومليء بالضغوطات وبالصراع من أجل المحافظة على مصالح البشر الشخصية ولكن على سطح الصراعات المختلفة ، الأنسان يكون دائما ً الضحية وبالتالي تظهر الأضطرابات الجسدية والنفسية ايضا ً ...
الأضطراب النفسي هو باختصار تبسيطي صعوبة في التكيف مع نمط وظروف الحياة المختلفة وعدم القدرة على تحمل الضغوطات .
طبعا ًهناك فروقات بين انسان وآخر من ناحية امكانية التكيف وتحمل الضغوطات ، كما أن الشخص الواحد لديه تقلبات في امكانية التكيف تختلف حسب الظروف من يوم لآخر . إن تركيب الشخصية المعقد يلعب دوراً أساسيا ً في التكيف والتحمل ، كما أن هناك دورا ً اساسيا ً جدا ً للتربية فكلما كانت تهدف لجعل الطفل يتحمل المسؤولية كلما زادت فرص تحمله للضغوطات وتحسنت امكانيات تكيفه حين يصبح بالغا ً .
المرض النفسي بشكل عام يحدث حين يفقد الانسان السيطرة على تغيرات الحياة الطارئة وبالتالي يفقد امكانية التكيف والمواجهة .
بعض المفاهيم الضرورية للفهم السريري للقلق والكآبة :
1- مفهوم الطاقة ENERGY:
الشخص العادي يكون عادة سوي الطاقة وتكون دورة يومه مكونة من نوم و استيقاظ ، عمل وتعب ، توتر واسترخاء ، فرح وحزن ؛ وتكون لديه المعطيات البيولوجية والحيوية من ضغط ونبض وحرارة وتحاليل أساسية ضمن الطبيعي وهذا ما يعرف ب HEMOSTASE .
ارتفاع الطاقة :
يحدث فيه نشاط زائد يؤدي الى اجهاد ومن ثم الى نزق و نرفزة وهذا ما يعرف عادة ًبالتوترTENSION .
انخفاض الطاقة أو الهمود:
يحدث خمول ، تعب ، نعاس ، أنطواء ومن هذا الأنخفاض للطاقة جاءت كلمةDEPRESSION لتعني الكآبة .
2- مفهوم الحاجة :
الحاجة تعني كل ما هو ضروري للأنسان ليعيش بشكل لائق فهناك الحاجات العضوية-الغريزية كالطعام ، الشراب ، النوم ، الجنس و الصحة السليمة وهناك الحاجات الأجتماعية الأساسية كالمسكن والملبس والأجتماع بالآخرين ، أما الحاجات النفسية فأهمها الشعور بالأمان ، الحب ، الثقة بالنفس ، تقدير الذات ؛ يمكن القول بأن كل مرة هناك تهديد بفقدان حاجة ما هناك اضطراب نفسي ، كتهديد المرض أو فقدان الأمان أو فقدان مصدر الرزق .
3- مفهوم الشدة النفسية STRESS :
الشدة النفسية هي زيادة مستمرة في الضغوطات المختلفة في جميع المجالات كالعمل ، الأسرة والمجتمع وهي تتشكل في جو مادي ، سريع ، تنافسي ومشحون بالتوتر و بالخوف من الفشل ، تؤدي غالبا ً لفرط في الطاقة في البداية ثم يحدث استنزاف لهذه الطاقة ثم انهيار الفرد في حال لم يرفع الضغط .
في الشدة النفسية هناك زيادة في افراز الأدرينالين وهويعتبر'هرمون المواجهة' ويحدث نتيجة ًً لذلك تسرع قلب ، ارتفاع الضغط ، زيادة التعرق ، الرجفان ،أما المرض الجسمي فيحدث في حال استمرار افراز الأدرينالين كارتفاع ضغط الدم ، قرحة المعدة والتشنجات العضلية .
4- مفهوم الأحباط النفسيFRUSTRATION :
هوعدم امكانية تحقيق الرغبات و يحدث في جو من القساوة وعدم التشجيع
كما ينجم عن تكرار تجارب سلبية دون نتائج ايجابية أو مُرضية .
5- مفهوم النواقل العصبية NEUROTRANSMITTERS:
الدماغ يعمل بواسطة دارات أو شبكات عصبية بعضها مسؤول عن الوظائف العصبية الأساسية كالحركة و الحس والرؤية و البعض الآخر مسؤول عن الحالة الشعورية والنفسية . يتم الأتصال بين هذه الدرات بواسطة النواقل العصبية التي هي عبارة عن مواد كيمائية ضرورية لإتمام الوظائف السابقة ومن أهم النواقل العصبية المسؤولة عن تأمين الحياة الشعورية والنفسية : الدوبامين ، النوأبينفرين و السيروتونين .
القلق النفسي ANXIETY
شعور غير مريح بالتوتر النفسي أو الخوف .
القلق الأيجابي ضروري كعلامة انذار تجاه مخاطر الحياة إذ بدون القلق لايمكن توقع الصعوبات وبالتالي مواجهتها حتى أن البعض يعتبر أن القليل من القلق ضروري للنجاح فهو يحفز على أداء أفضل . في هذه الحالة يكون الخوف مبررا ً و رد الفعل يتناسب مع العامل المسبب للتوتر.
أما القلق السلبيأوالمرضي فهو نوع من الخوف غير المبرر تجاه مواجهات غير مخيفة بالضرورة كمرض بسيط أو مقابلة أو قطع شارع أو حتى استقبال ضيوف في المنزل كما أن ردة الفعل تفوق العامل المسبب للتوتر حتى لو كان مخيفا ً . في القلق المرضي هناك زيادة في توقع الأسوأ وبالتالي الفشل والشعور بالدونية .
ينجم القلق عن صعوبة بالغة في التكيف وهو غير عقلاني يحدث على مستوى اللاوعي ويحمل نزعة حماية فائقة للشخصية .
الاضطراب شائع يوجد لدى 30% من مراجعي العيادات العامة و يصيب جميع الأعمار .النساء اكثر اصابة من الرجال ، ويعتبرالقلق أحد الأسباب المؤدية للإدمان الدوائي والكحولية .
التفسيرات النفسية للقلق :
هي حالة عاطفية من التوجس الدائم أورد فعل لتهديد غير محدد لكن التفسير الأكثر قبولا على ما يبدو هو أن القلق نتيجة رغبات ضلت طريقها فالرغبة الشديدة في النجاح قد تتحول لخوف من الفشل والرغبة في البقاء بصحة جيدة ، تتحول لخوف دائم من المرض أما الرغبة بالكمال تتحول لطقس وسواسي وفي جميع الأحوال الأضطراب يحدث على مستوى اللاوعي أي هو لا شعوري ولا إرادي .
الأكتئاب أو الهمود النفسي DEPRESSION :
هو شعور غير مريح بانخفاض المزاج والنظرة السلبية للحياة وللذات ،
يصاحبه الشعور بالدونية وبعدم الجدوى ، هناك أيضا ً شعورعميق بالفشل وبعدم امكانية النجاح بأي نشاط أو مشروع ، الميل للأنطواء ، نوبات من البكاء، اضطراب في النوم والشهية ،انخفاض الرغبة الجنسيةLIBIDO .
الأكتئاب يحمل نزعة تدميرية كبيرة وهو مرض شائع يصيب 40% من مراجعي العيادات النفسية والعصبية ويشكل 12% من اسباب الدخول للمشفى . ينظر له حاليا ً كمرض مثل باقي الأمراض كالسكري و القلب اذ يصيب كل الجسم وليس فقط الذهن . يصيب كل الأعمار والأجناس والطبقات الأجتماعية للأسف نصف المصابين بالأكتئاب لا يتلقون العلاج المناسب . الأكتئاب أيضا ًمن أهم الأسباب المؤدية للكحولية وللأدمان الدوائي .
الآلية النفسية للأكتئاب
لايوجد تفسير واحد ، فالأمر معقد وغامض ، هناك فشل في امتصاص وهضم تجارب الحياة السلبية على خلفية نرجسية عاليةوهناك قلة تقدير للذات و فشل في تحمل الشدة النفسيةوهذا بدوره عائد لطبيعة الشخصية ولامكانات التكيف المكتسبة كما أسلفنا . ويعتقد حاليا ً أن الأضطراب البيولوجي في النواقل العصبية له الدور الأكبر في حدوث المرض ؛ فهل هو سبب للأكتئاب أم نتيجة له ؟!! لا يوجد بعد جواب نهائي .
لماذا القلق والكآبة معا ؟
هي وجهة نظر شخصية غير مدرسيةتعتبر القلق والكآبة قطبين لثنائية أخرى من الثنائيات في الحياة كالليل والنهار ، الخير والشر ، الرجل والمرأة ؛ في هذه الثنائية ، القلق هو قطب الحماية الفائقة بينما الكآبة هي قطب التدمير الذاتي .
هناك أيضا ً عوامل مشتركة بين المرضين : التظاهرات السريرية والجسمانية المشتركة ،الأرضية المهيئة والمسببة للأضطراب العصبي الكيميائي والعلاجات الدوائية والنفسية المشتركة ايضا ً .
كما أن القلق والكآبة هما مرض بحد ذاته وليس مجرد اضطراب
والكثير من مرضى القلق المزمن يصابون في نهاية الأمر بالكآبة في نفس الوقت الكثير من المرضى المصابين بالأكتئاب لديهم قلق نفسي مرافق ، نوع من القلق الوجودي ، بالأضافة إلى أن نسبة لا بأس بها من المرضى تشكومن تناذرالقلق / الأكتئاب وهو اشتراك المرضين معا ً .
الأرضية المرضية المشتركة للقلق والكآبة :
هناك الأرضية الوراثية وهي استعداد وراثي للشعور بالقلق أو الأصابة بالهمود . هناك الأرضية الكيميائية/ البيولوجية حيث يحدث اضطراب في النواقل العصبية خاصة ًالسيروتونين والنورابينيفرين ، وهناك ايضا ً العوامل الأجتماعية النفسية وهي عبارة عن تجارب سلبية تبدأ منذ الطفولة وتتكرر على مسار الحياة وتستند على ما يعرف بنظرية الرضوض النفسية و الأحباطات المتراكمة ؛ اجتماع العوامل الثلاثة السابقة يؤدي لظهور الأعراض السريرية للمرضين .
أنواع القلق :
1- حالة القلق المعمم GENERALIZED ANXIETY DISORDER
بشكل عام المصابون بالقلق المزمن والمعمم يعانون من توتر مستمر ؛ هم أشخاص على الحافة دائما ويتوقعون الأسوأ بشكل مستمر ولديهم ضعف بالتركيز و بالذاكرة واضطرابات بالشهية والنوم مع عدم القدرة على الأسترخاء. يصاحب ذلك أعراض جسمية كالتوترالعضلي ، تعرق باليدين ، خفقان قلب ، ضيق نفس أوآلام معدية- معوية .
أهم المواضيع التي تثير القلق لدى هؤلاء المرضى هي الصحة ، المال ،
مسؤوليات العمل ، سلامة الأولاد . الخوف لدى هؤلاء المرضى زائد عن اللزوم و له أبعاد أكبرمما يستدعي العامل المحرض بحيث لايمكن السيطرة عليه ويؤئر على اداء الشخص .
2- نوبات الذعرPANIC ATTACKS :
هي حالة مفاجئة من الخوف الشديد وغير المفسر يأتي على شكل نوبة
( كريزة ) تبلغ ذروتها خلال دقائق وقد تحدث في أي مكان : السيارة ، المنزل، مكان العمل ، مكان جديد . يحدث فيها تسرع شديد في القلب ، ضيق نفس ، تعرق بارد ، عدم تركيز والشعور باقتراب الموت الحتمي . تختلف عن الهيستيريا التي غالبا لا يرافقها خوف أو قلق وهذه النوب تعتبر حالة اسعافية تستدعي التدخل السريع غالبا في المشفىللسيطرة على الوضع . هذا النوع من المرض ناكس بشدة ويؤدي لقلق مزمن خوفا من حدوث نوبة أخرى .
3- الرهاب الأجتماعي SOCIAL PHOBIA :
الخوف يحدث بوجود الآخرين خاصة أمام اشخاص جدد ويتظاهر بصعوبة في التكلم ، تلعثم بالكلام ، خجل ، احمرار وجه ، عدم تركيز وتصبح التصرفات محسوبة وغير عفوية اذ لايمكن اداء المهمات تحت نظر الآخرين .مما يؤدي لما يعرف بتصرفات التجنب كعدم المصافحة أو عدم النظر بعيون الآخر ؛ اذا كان القلق المصاحب شديدا ً قد يؤدي الى نوبة ذعر .
4- الرهاب المحددSPECIFIC PHOBIA
شائع جدا و يتكرر بشكل يومي ” كتصرف طبيعي ” . من المخاوف الشائعة : خوف الأماكن كالأماكن المغلقة، المفتوحة أو العالية ، خوف طرقات السفر، خوف الحيوانات والحشرات ، خوف الماء ، وهويحدث فقط بوجود العنصر المحدد ويزول بزواله كما ان له علاقة وثيقة بتجارب سلبية خضع لها المريض سابقا .
5- الأضطراب الوسواسي القهري
DISORDEROBSESSIVE COMPULSIVE
هو اضطراب معقد جدا ً ويكون إما سلوك لا إرادي قهري بمعنى اجباري يهدف للتخفيف من القلق كغسيل اليدين ،الأستحمام ،إغلاق الأبواب ، إعادة الترتيب وهي كلها نوع من الطقوس طويلة المدة ولا طائل منها ، أو يكون تفكير وسواسي لايمكن مقاومته كاعادة جملة أو كلمة أو مقطع من أغنية ، التفكير بحوادث سيئة لا بل مميتة ، احصاء أو عد ، قراءة اجبارية ، أو يكون أو الأثنان معا .
جذور المرض عميقة و غايته النقاوة أوالكمال كما أن علاجه طويل وصعب .
6- تناذر بعد الشدة الرضية
POST TRAUMATIC STRESS SYNDROME
يحدث بعد الأزمات الأجتماعية الكبرى كالحرب ، حريق مدمر ، فيضان أو زلزال وقد يحدث بشكل فردي أوجماعي ويتظاهر كنوع من التراجع النفسي أو الشلل النفسي نتيجة الرض النفسي الحاصل وطبعا ً التظاهرات السريرية تختلف من مجتمع لآخر .
أنواع الأكتئاب النفسي
1-الأكتئاب الداخلي : ENDOGENOUS DEPRESSION
هو منأهم وأصعب أنواع الأكتئاب وقد يكون وحيد القطب أي يتظاهربهمود نفسي فقط أو قد يكون ثنائي القطب فيحدث تناوب بين الهمود والهوس الذي هو عبارة عن تهيج نفسي زائد على نقيض الأكتئاب لذلك البعض يصنف الأكتئاب كاضطراب نفاسي PSYCHOSIS .
المرض يصيب عادة البالغين ويتشكل تدريجيا ً ، كما أن العامل الوراثي يلعب دورا ً كبيرا ً بحدوث المرض .
يتظاهرالأكتئاب بحزن عميق مع عدم الشعور بالسعادة لأي حدث سعيد أو مفرح ويترافق عادة ً بالشعور باليأس والأحباط مع سيطرة تفكير تشاؤمي سوداوي يؤدي إلى فقدان تقدير الذات يعبر عنه غالبا ً ب ' أنا لا أساوي شيئا ً ' . هناك أيضا ً شعور عميق بالذنب تجاه أي فشل و اجترار للذكريات المؤلمة يصاحبه نوبات من البكاء. المريض يكون في حالة من الشلل النفسي مع عدم القدرة على اتخاذ أبسط قرار واهمال واضح للذات من ناحية النظافة واللباس والتغذية . يرافق الكتئاب توتر نفسي غامض غير معروف السبب هو نوع من القلق الوجودي كما قد تظهرأفكار اضطهادية كالشك بالآخرين وانعدام الثقة بهم . في حال عدم العلاج يحدث
اضطراب بالذاكرة والتركيز وانخفاض شديد بالطاقة بحيث تصبح أبسط المهام ثقيلة كالجبل وتنخفض الرغبة الجنسية . المريض ينعزل لأن هناك
صعوبة اجتماعية بالغة في مخالطة الآخرين ويتشكل لديه احساس بأن كل الأموربدأت تفلت من السيطرة ويشعر أنه لا قيمة للحياة و الأفضلية للموت .
ترافق الأكتئاب أعراض جسمانية مهمة كاضطراب بالنوم والشهية مع
نقص وزن ملفت للنظر ، صداع وتعب مستمرين وغير مفسرين ، صعوبة في البلع ، ضيق في التنفس ، جمود عضلات التعبير وتشنج كافة عضلات الجسم .
في الحالات المتقدمة تظهر أفكار انتحارية تدميرية للذات ومن المعروف أن محاولات الأنتحار أكثر شيوعا لدى االنساء لكنها أكثر نجاحا لدى الرجال ؛ إن أية أفكار انتحارية تعتبر انذارا بخطورة الحالة وتتطلب الدخول للمشفى للعلاج والمراقبة لذلك يعتبر الأكتئاب من الأمراض المميتةولكن القابلة للشفاء .
2-الأكتئاب الأرتكاسي : REACTIVE DEPRESSION
هو ردة فعل طبيعية تجاه عامل محزن كخسارة مالية ، فشل مهني أو صدمة عاطفية إذ لا يمكن استيعاب الفشل فتطول مدة الأعراض وقد يحدث نتيجة بعض الأمراض الحادة أو المزمنة ويكون جزءا ً منها كالجلطة القلبية ، السرطان ، الباركنسون ، السكري ، الشلل والفالج كما قد يتلو بعض العمليات الجراحية الكبرى كجراحة قلب ، استئصال الثدي ، قطع المعدة والأمعاء ، وفي جميع هذه الحالات هناك شعور بأذية نرجسية كبيرة نتيجة تشوه صورة الشخص السليمة والمرض بحد ذاته يشكل تهديدا ً لحياة الشخص وبالتالي يحدث صراع مستمر بين الموت والحياة ، لذلك يجب الأنتباه الشديد للناحية النفسية لأي مرض عضوي داخلي كان أم جراحي لأنه يؤثر على الشفاء وبالتالي يجب معالجة الأكتئاب المصاحب لهذه الأمراض بشكل جدي .
3- تناذر الحداد
- SYNDROME DE DEUIL GRIEF SYNDROME
يصاحب أو يتلو وفاة شخص قريب أو عزيز ويتميز بعدة صفات :
هناك أولا ً عدم التصديق و رفض الواقعة يتلوه احباط شديد مع
تضخيم محاسن المتوفى ونسيان سيئاته بالأضافه لشعور بالذنب وبالتقصير تجاه المفقود وأحيانا تحدث عدائية غير مفسرة تجاه المحيطين.
يتم تيسيرأمور الحياة اليومية تحدث بشكل روتيني خال من أية عاطفة أو اهتمام ” تصريف أوتوماتيكي ” ، لفقدان لذة الحياة بدون الشريك الآخر .
يمكن تمييز 3 أنواع :
1- الحداد الطبيعي : وهو رد فعل أي شخص سوي تجاه الوفاة ، ويتظاهر
بحزن شديد وبكاء لمدة 1-3 أشهر ثم يخف تدريجيا ً وعادة ً لا يحتاج لعلاج مضاد للأكتئاب ؛ بعض المهدئات لمدة قصيرة غالبا ما تكفي .
2- الحداد المرضي : يستمرالحزن أكثرمن 3أشهر حتى سنة وهناك فئات أكثر تعرضا ً لهذا النوع كالأمهات و المسنين و المرضى الذين لديهم سوابق اكتئاب و قد لا يخرجون من هذا الأكتئاب أبدا ً ، كما أن الأنتحار بسببه ليس نادر الحوث .
3- الحداد المؤجل : يتم فيه كبت المشاعر المحزنة من أجل التظاهر بالقوة وقد يحدث نوع من الضحك والنشوة لمقاومة الأكتئاب أمام المجتمع وغالبا ما يلجأ المصابون به لمغامرات طائشة كالقمار والرياضات الخطرة كنوع من العقاب الذاتي . يتأخر حدوث الأكتئاب من 6 أشهر لعدة سنوات ثم ينهار الشخص ؛ اذ غالبا ً ما يكون الأكتئاب شديدا ًوقد يترافق بعلامات جسمانية تشابه تلك المسببة للوفاة .
التشخيص و الأستقصاءات
ليس كل نوبة قلق أو أنخفاض بالمزاج هو قلق مرضي أو كآبة مرضية بالضرورة ، إذ أن كل شخص معرض في حياته للأصابة بأحدى هاتين الحالتين ، إذ كما اسلفنا إن القلق الأيجابي ضروري لمواجهة صعوبات الحياة كنوع من الأستنفارالنفسي والأستعداد للمواجهة ، كا أن الأكتئاب والحزن أمام الخسارة أو الفشل هو رد فعل طبيعي و جزء لا يتجزأ من حياة الأنسان النفسية والشعورية السوية .
لذلك يتطلب التشخيص استمرارالأعراض لمدة 3-6 أشهر على الأقل مع حدوث تأثيرسلبي على حياة المريض النفسية ، الأجتماعية و المهنية ومن الضروري جدا ً نفي الأسباب العضوية التي قد تتظاهر بشكل نفسي كفرط أو نقص نشاط الغدة الدرقية، فقر الدم المزمن بعض أنواع السرطان ، بعض المراض العصبية كالصرع ، أورام الدماغ ، الجلطات الدماغية والنزوف ومن هنا ضرورة الفحص السريري والاستقصاءات المخبرية والشعاعية كالتصوير الطبقي المحوري والرنين المغنطيسي للدماغ وايضا تخطيط الدماغ الكهربائي .
العلاجات المتاحة :
هناك علاجان أساسيان وهما العلاج الدوائي والعلاج النفسي وكلاهما يجب أن يتم تحت اشراف طبيب أخصائي من أجل تحديد خطة للعلاج تتضمن الهدف منه والمدة اللازمة وكذلك الكلفة المادية .
1- العلاج الدوائي
هناك أدوية متعددة لعلاج القلق والأكتئاب
أدوية القلق :
1- مزيلات القلق ANXIOLYTICS:
تعرف بالمهدئات ولها مفعول سحري وسريع في تخفيف التوتر النفسي لأنها تعمل سريعا ًعلى تثبيط النواقل العصبية المسببة للتوتر النفسي وهي رخيصة نسبيا ً ومتاحة بوصفة طبية لكن من سيئاتها ، الأعراض الجانبية المزعجة كالنعاس والخمول والنسيان ، كما أنها تؤدي الى الادمان اذا استعملت لفترة طويلة .
2- أدوية السيروتونين SSRI:
هي جيل جديد من الأدوية بطيئة التاثير لكنها أكثر فاعلية من السابقة ومفيدة جدا في الوسواس القهري والرهاب ؛ من أعراضها الجانبية المؤقتة زيادة الوزن والضعف الجنسي .
مدة العلاج تختلف حسب الحالة ويفضل أن تكون قصيرة لتجنب الأدمان مع ايقاف تدريجي لمنع حدوث انتكاس للأعراض . في الحالات البسيطة والحادة ، العلاج الدوائي قد يكفي ولكن في الحالات المعقدة نحتاج لعلاج نفسي داعم PSYCHTHERAPY DE SOUTIEN
الأدوية المضادة للأكتئاب ANTIDEPRESSANTS:
تسمى حبوب السعادة ومنها عدة أجيال لكن الجيل الحديث هو أيضا ً أدوية السيروتونينSSRI التي تهدف لزيادة مستوى السيروتونين بالدم ، الذي يعتقد أن نقصه سبب الكآبة . مدة العلاج من 6 أشهر لسنة في أول هجمة اكتئاب وقد تكون أطول في الحالات المزمنة أو المتكررة و في البداية غالبا ما نحتاج لدواء اضافي من المهدئات .
أملاح الليثيوم LITHIUM :
تستعمل بحذر في الأكتئاب المزمن أو المعند وفي الأكتئاب ثنائي القطب .
ومن باب التذكير هناك العلاج بالصدمات الكهربائية كنوع من العلاج غير الدوائي ن لسنا في مجال الخوض فيه هنا .
العلاج النفسي PSYCHOTHERAPY :
هو محاولة لفهم أسباب المشاكل النفسية المنعكسة على صحة الأنسان ، كان يعني في الماضي العلاج بالتحليل النفسي ولكن اليوم هناك عدة علاجات وأساليب تعتمد غالبا على العلاج بالكلام للتعبير عن الذات المريضة ، التحليل النفسي ليس إلا جزا منها كما أن هناك أساليب علاجية نفسية لا تعتمد على التبادل الكلامي .
علاجات نفسية طويلة الأمد 3-10 سنوات :
كالتحليل النفسي PSYCHANALYSIS وله شروط معينة ، لا يمكن تطبيقه على الجميع فهو طويل ، متعب ومكلف ويهدف من خلال الوصول الى لاوعي الأنسان الى فهم حقيقته ، ثم محاولة تغييرها إن أمكن .
علاجات قصيرة الى متوسطة الأمد : شهر – 3 سنوات :
تهدف الى شفاء الفرد وفسح المجال لحياة أفضل ؛ أي التغيير أولا ً ثم الفهم إن أمكن ، منها
العلاج النفسي الداعم وهو عبارة عنجلسات لمدة محددة سلفا
يتم وجها لوجه للتركيز على المشكلة الطارئة ومحاولة السيطرة عليها وتحسين التكيف معها .
العلاجات السلوكية – الأدراكية
COGNITIVE&BEHAVIORAL TREATMENT
لا تهتم بطفولة الفردأو بماضيه بقدر ما تهتم بحل المشكلة التي يعاني منها
المكون السلوكي يعتمدعلى استخدام تقنيات استرخائية وسلوكية لتخفيض تدريجي للرهاب والوساوس ومن ثم اعادة المريض للحياة الطبيعية .
المكون الأدراكي يعمل على الأفكار والآراء والمعتقدات المغلوطة والسلبية التي لدى الفرد حيال نفسه و حيال الآخرين مع محاولة استبدالها بأخرى ايجابية تعزز تقدير المريض لنفسه و تحفزه على القيام بمبادرات ايجابية .
العلاجات بالأسترخاء :
هي علاجات تعتمد على الجسد بدلا من الكلام وتهدف الى ازالة القلق والأرق والخجل والتشنجات العضلية اللاارادية من خلال السيطرة على الذات والتحكم في قدرات العقل وتنفيس الضغوط ، منها : اليوغا ، السوفرولوجي ، التدليك ، الموسيقى ،الصلاة والتأمل والرياضات الروحية .
الخلاصة
في عصر يتسم بالمادية المسيطرة والتنافسية الشديدة يبرزالقلق والكآبة كانعكاسات لحياة مضطربة ؛ الأضطرابان شائعان ولهما تظاهرات مشتركة ، يحاول الأول الدفاع عن مكتسبات الأنسان و المحافظة على كماله كما يؤدي الآخر لتحطيم نرجسيته وبالتالي لتدميره .
الفحص السريري ضروري لنفي الأسباب العضوية التي قد تقلد المرض النفسي ، كما أن العلاج الدوائي اصبح متوفرا ً مدعما ً بعلاج نفسي يختلف من مريض للآخر حسب الحاجة .
خاتمة ..
لاتقلق
لا تكتئب
تذكر دائما أن الفشل هو التجارب التي تسبق النجاح
كن انسانا ً ، فنحن لسنا من صنف الملائكة ...
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....