حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
مقالات و أراء |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
|
2012-10-22 |
مفهوم الحرية من وجهة نظر الآباء والأبناء |
 |
مفهوم الحرية من وجهة نظر الآباء والأبناء
العلاقة بين الآباء والأبناء تعيش صراعا منذ الأزل ولا يمكننا, على ما أعتقد, أن نلغي هذا الصراع. فهذا الصراع يعود, في الحقيقة, إلى كونهم من أجيال مختلفة وبالتالي المفاهيم تختلف, القيم في بعض الأحيان. دون شك العنصر أو الفكرة الحساسة في هذه العلاقة هو مفهوم الحرية. فالآباء يحدون من حرية أبنائهم اقتناعا منهم على أنهم يعملون من أجل مصلحة أبنائهم والأبناء يتلقون هذا الأمر على أنه حد لحريتهم لا يقبلون به فهم بالغون أو على الأقل راشدون ولا يتقبلون فكرة من يقرر عنهم. فهل هناك من إمكانية للتوفيق بين الطرفين? أو هل هناك من إمكانية بتجيير هذا الصراع نحو الأفضل? هذا ما سنتحدث عنه اليوم.
لكي نخوض في الموضوع كما يجب علينا أن نتساءل ما هي الحرية. هل الحرية هي أن أعمل ما أريد? هل الحرية تعني المزاجية? حتما لا! في الحقيقة الحرية تعني قبل كل شيء أن يستطيع الإنسان أن يحقق ذاته، أن يعيش حقيقته الداخلية والعميقة، الحرية تعني أن يكون الإنسان حقيقيا، وأخيرا وليس آخرا الحرية تعني أ ن يكون الإنسان حرا من كل ما يمنعه أن يكون ذاته. فالإنسان الحر هو إنسان حر من كل شيء حتى من ذاته. فالعبودية الكبرى والأساسية هي في الحقيقة العبودية للذات. كل ما يفرض ذاته علي من متطلبات من ملذات ورغبات هي في النهاية آتية من الأنا. هذا المفهوم للحرية يعني أنه لعيش حريتي علي أن لا أمنع الآخر من تحقيق ذاته, علي باحترامه وإفساح المجال أمامه ليمارس بدوره حريته. وكما يقول المثل الفلسفي : 'تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخر'.
ولكن عمليا كيف يمكن ممارسة هذا الأمر بين الأبناء والأولاد? لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نتساءل عن دور كل منهم. فالأهل من هم وما هو دورهم? في الحقيقة الأهل هم الوسيلة التي من خلالها تنتقل الحياة من جيل إلى آخر, هم الوسيلة التي تؤمن استمرارية الحياة وهذا الأمر مهم جدا وليس بأمر بسيط أبدا.فغالبا ما ننظر إلى الوسيلة على أنها لاشيء بينما لها دور فعال،مهم للغاية. فعندما ننقل أي شيء كان من خلال وسيلة ما هناك تفاعل لا يمكننا الاستخفاف به بين الناقل والمنقول. وعلينا أن لا ننسى بأن الحياة عطية، موهبة مجانية, علينا أن لا ننسى بأن لا أحد يستطيع أن يمتلك الحياة، فالحياة تتجاوزنا ومن بعيد, ولهذا السبب أقول بأن لا يحق لا أحد أن يملك أحدا ولا يستطيع أحد أن يملك أحد. فالأولاد هم إذن عطية نستقبلها في حياتنا ولا أحد يستطيع أن يحدد إمكانية الإنجاب لديه أو عدمها.
في الواقع كل المشكلة تكمن هنا. فإذا كان لدى الأهل نزعة لامتلاك اهلهم, فهذا يعود في النهاية لكونهم لم يقبلوا أو يعيشوا مجانية الحياة. هذا يظهر بشكل واضح من خلال كيفية إنجاب الأولاد. فمن النادر ما يخطط الأهل لمجيء الطفل وإن قاموا بذلك، فإنهم يقوموا يه من الناحية المادية وغالبا ما يأتي الطفل ؛غلطة. والأهم هو أن الطفل لا يأتي من أجل ذاته بل من أجل أهله: ليخلدهم, ليؤمن استمرارية النسل والعائلة، لكي يؤكد الأهل للآخرين من خلاله قدرتهم على الإنجاب. لهذا السبب يعيش الأهل عدم الإنجاب على أنه كارثة أو غياب الذكر كذلك أيضا.
بينما الطفل هو مشروع قائم بحد ذاته، وعلى الأهل إنجاب الأولاد لأجل أنفسهم (لأجل الأولاد) وليس من أجل الأهل. على الأهل أن يربوا أولادهم من أجل ذواتهم. بينما ما يجري في الواقع هو العكس. غالبا ما يسعى الأهل لتحقيق، ما لم يستطيعوا تحقيقه في حياتهم، من خلال أولادهم.
وإذا كانت العلاقة بين الأهل والأبناء مبنية على الحب، فالحب الحقيقي لايعرف الملكية. 'أولادكم ليسوا لكم أولادكم أولاد الحياة'ظن يقول لنا الكاتب المعروف جبران خليل جبران. فلبناء علاقة جيدة بين الطرفين، لكي تكون الحرية محترمة من قبل كلا الطرفين علينا أن نضع نصب أعيننا ما يلي:
- أهمية الفرد
- - لا فرح حقيقي، لا نمو حقيقي إنساني روحي عاطفي الخ.... إلا من خلال نمو وفرح الآخر
- هذا لا يتم إلا من خلال الحوار والإصغاء
لذلك أقول الأمر نفسه للأبناء. فعلى الأبناء أن يحترموا حرية أهلهم ومكانتهم، كما أن عليهم أن يستفيدوا من خبراتهم الواسعة. فبمجرد أو رفض الأولاد هذه الخبرات والآراء فهم بعيدين عن احترام حرية أهلهم. فممارسة الحرية بين الطرفين من خلال الحوار والإصغاء يسمح للولد أن ينموا على عملية التمييز. لذلك لابد للأهل من القبول في بعض الأحيان بضياع الابن، أو على الأقل بخيرات الولد لكي يستطيع فيما بعد أن يميز. لدينا مثلا رائعا بهذا الاتجاه وهو مثل الابن الضال.
فاحترام الحرية يكون قبل كل شيء بالإصغاء لهم, لما يعيشونه وخاصة خلق جو من الثقة بدلا من القمع أو على الأقل بدلا من النهي المستمر. فإمكانية التعبير عن الذات, عن ما يعيشه الإنسان من ايجابي وسلبي هي الإمكانية الأفضل للنمو النفسي والإنساني والعاطفي. والإصغاء للولد بحب واحترام وخاصة بثقة يساعده على أن يحكم على ما يعيش والتمييز بين ما هو جيد وسيء. فإذا كانت خبرته مرفوضة مسبقا فهذا يلغي كل إمكانية التمييز والحكم وبالتالي إمكانية النمو. لا خوف من الخبرات التي يقوم بها الأولاد إذا كان باب الحوار والثقة مفتوح أمامهم، وما من أخطر من اقفال هذا الباب في وجههم. ولكن لكي يكون الإصغاء جيد, لكي يتم خلق جو الحرية والثقة لابد للأهل من أن يصغوا إلى أولادهم انطلاقا منهم ولا انطلاقا من ذواتهم أي الأهل. فتفكير الأولاد الزمان مختلف بما أن الأجيال مختلفة والخبرات أيضا. وأنا أقول نفس الأمر للأولاد أيضا. عليهم أن لا ينسى بأن أهلهم يملكون خبرة أو خبرات كبيرة لا يدركونها وعليهم الاستفادة من خبرات أهلهم دون إطلاق أحكام مسبقة : هم دقة قديمة... جيلهم غير جيلنا....
قبول خبرات الأولاد هذا يعني القبول بالتجربة, أي بالضياع. ماذا أعني بالضياع ? أعني القبول بأن الولد قد يخطئ وهذا أمر طبيعي, أن يغامر, أن يعيش مغامرته لكي يمكنه فيما بعد التمييز واكتشاف الخطأ. لدينا مثلا من الإنجيل يوضح لنا هذا الأمر بشكل جيد : مثل الابن الضال. فالأب لم يفتح فاه أمام طلب الابن بالحصول على حصته من المال. أعطاه إياها وتركه يغامر. لم يكن بإمكان الابن اكتشاف النعيم والحب الذي كان يعيشهم بالقرب من ابيه إلا عندما ابتعد عنه محاولا العيش على أهوائه والقيام بخبراته. فالأب في هذا المثل قبل ضياع ابنه, لا بل قبل أن يحتك ابنه بالموت (كاد أن يموت جوعا يقول لنا النص) وفي النهاية اكتشف بأن الحياة والحب الحقيقيين هم لدى أبيه ثم عاد إليه معترفا بخطأه. بينما الابن الأكبر الذي لم يترك أباه لم يكتشف خطأه واستمر به.
الإنسان الحقيقي هو الإنسان الذي اختبر الحياة واختبرته الحياة بدورها أيضا. طالما لم يختبر الإنسان الحياة, طالما لم يدعك الإنسان ويعارك الحياة فهو ليس بإنسان. ولكن للأسف الشديد في أيامنا هذه يسعى الأهل بشتى الوسائل لكي يبعدوا عن أولادهم الهموم والشعور بالمسؤولية. هذه أفضل طريقة لكي يبقى الولد طفلا متكلا رافضا للاستقلالية.
هل هذا يعني أن على الأهل أن لا يقولوا شيئا لأولادهم ويتركونهم لمزاجيتهم? بالطبع لا. فأنا لم أقل هذا ولا يمكنني أن أقول هكذا. على الأهل أن يفيدوا أولادهم بخبراتهم وعلى الأولاد أن يحترموا ويستفيدوا من خبرات أهلهم ولكن على هذا الأمر أن يتم بحرية. وهذا هو دور الحوار بين الطرفين. فالحرية لا تعني المزاجية وعدم المزاجية لا يعني القمح في نفس الوقت. هذا هو التوازن الذي على الأهل والأولاد معا أن يجدونه.
في النهاية أقول بأن الحياة تبقى عطية وبمقدار ما أعيش بالفعل على أنها عطية بمقدار ما أستطيع أن أصنع علاقة غير تملكية مع الآخر بشكل عام ومع الأولاد بشكل خاص. لأنه عندما استقبل الحياة كذلك فأنا أكون حرا لا أخاف على شيء. وبمقدار ما أعيش على أنني المصدر بمقدار ما أكون في موقف دفاعي, قلق, لا يسمح لي بقبول واختلاف الآخرين عني وأولادي بشكل خاص. فأنا أسعى آنذاك لكي أحقق –ما لا لم استطع تحقيقه في حياتي - من خلال أولادي. وتكون علاقتي امتلاكية مملوءة بالصراعات بيني وبين أولادي.
هل هذا يعني أنه بهذه الطريقة من الممكن إلغاء الصراعات بشكل عام، صراع الأجيال بشكل خاص? حتما لا. لا يمكن إلغاء الصراعات، وليس المطلوب إلغاؤها فالصراعات تشكل دينامية الحياة وفي كل المجالات. المطلوب هو القبول بها والتعامل معها من خلال الحوار المستمر من اجل سعي أفضل نحو الحقيقة. فالحقيقة لا أحد يملكها ولا توجد في مكان ما, إنما الحقيقة نصنعها من خلال سعينا وبحثنا عهنا من خلال هذا الحوار الذي نوهنا عنه. |
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|