'جئنا لنسجد له'.. تصريح 'غير مألوف' أدلى به غرباء جاؤوا من أقصى المشرق.. دعتهم يقظتُهم المرهفة لاكتشافٍ 'غير مألوف'.
اليقظة ميّزتهم عن أترابهم لرؤية علامةٍ 'غير مألوفة'، ظهرت للجميع فميّزوها وحدهم دون غيرهم لأنّهم وضعوا أنفسهم في انتظار 'غير المألوف'..
دعتهم أن يتركوا بلادهم، ويتخلّوا عن راحتهم، لينطلقوا نحو مجهولٍ، ضمانته تلك العلامة وإيمان عميق، دون شروط مسبقة أو امتيازات خاصّة أو مكاسب تتبدّد.
جاؤوا تقودهم تلك العلامة 'غير المألوفة' لتستنفر وتستفزّ معارفهم فتدّلهم إلى حدث 'غير مألوف'. وتدعوهم إلى السجود لشخص لم تألف ثقافتهم ومجتمعيّتهم هذه النوعيّة من السجود.
إنهم ما كانوا ممن ينتظرون، في تديّنهم، من يأتي من عند الله ملكاً!.. رغم ذلك يكتشفون، قبل وصولهم، في هذا الملك 'غير المألوف'، سرّ ملكوته. فيُهيّئون له هدايا تناسب شخصيّته. ولأنه 'خارج المألوف'، يسجدون بإزاء رفض من كان ينتظره: 'جاء إلى خاصّته ولم تقبله خاصّته' (يو1/11)، ويقدّمون له هداياهم 'خارج المألوف'، كانوا قد هيئوها قبل انطلاقهم بتأنٍّ ورمزيّة مشبعة وإتقان.
كيف يكون سجود أولئك الغرباء للملك 'غير المألوف'؟..
أيضعون غناهم، وعلمهم، وما عندهم من سلطة وحكمة، جانباً ليسجدوا؟..
أم أنهم في كنوزهم عندما تصير تقدمةً يسجدون؟..
ويصبح المال وسيلة للمشاركة،
والعلم محراباً للتطوّر،
والسلطة طريقة للخدمة،
والحكمة أفقاً للإبداع؟!!...
يبلغ الخبر 'غير المألوف' إلى الذي ما اعتاد إلا لأن يُسجد له وحده، فيضطرب، ويضطرب معه من كان في سطوة ملكوته طائعاً أم مرغماً، اضطراباً 'غير مالوف'. فيستقرئُ مَنْ يعرف 'الكتب'.. ودون إرادة خيّرة، يساهم مع أولئك الغرباء، ليعرفوا المكان الذي يجدون فيه 'الغير المألوف'. من قال أن الشرّ لا يُرغَم أحياناً للدلالة إلى الخير؟!..
كان هيرودس، كالنجم، علامة تساهم في وصول المجوس إلى يسوع. أتراها الخطيئة ومظاهر الظلام تستطيع أن تمنحنا نوافذ نتسلّل من خلالها إلى يسوع؟!! يقول أغسطينوس المغبوط (القرن الرابع): 'مباركةٌ أنت أيتها الخطيئة لأنه بواسطتك عرفتُ المسيح'.. هل يمكن للخطيئة أن تساهم 'بفيض النعمة' بحسب خبرة بولس الرسول (رو5/20)؟
تظهر شخصيّة يسوع منذ البدء علامةً للقبول أو للرفض: 'ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم .. وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض' (لو2/34). وما العيد اليوم إلا تلك الدعوة للاختيار بين القبول والرفض، بين السجود الحق كالمجوس الغرباء، والتزييف كـ' الخاصّة' وهيرودس.
لم يدعُ الملاكُ الرعاةَ إلى السجود، كما دُعي المجوس، بل إلى الفرح (لو2/10)!
هل هناك تلازم بين السجود والفرح؟!..
عندما تسجد للمال مثلاً، تسجدُ لكَ نوعيّةٌ من الفرح، سرعان ما تشكو من عوَزها كالابن الشاطر (لو15/15)، ومن شحّها كخمرة عرس قانا (يو2/..)، ومن خيبتها كصدمة مرتا (لو10/41)!..
عندما تسجد للـ'أنا' تسكر إلى حين، وكبطل الأسطورة نرجس تغرق في أوحالها!..
عندما تسجد للذّة تنحسر أمام شبح نهايتها وتتحسّر!..
عندما تستعرض بطولاتك، سرعان ما تشعر أنها تهوي وتتبدّد!..
هل بلغ المجوس الغرباء عمقاً من الحكمة ليكتشفوا في سجودهم للملك 'غير المألوف'، الذي وُلد في القفر بدل القصر!.. فرح الرعاة بولادة طفل أوضح ما فيه الفقر؟!..
وأيّ فرح اكتشفوا؟!..
ليت العيد يدعونا إلى 'الغير المألوف'، فنعود إلى فقر الولادة، لتتكسّر رتابة حياةٍ ما اعتاد سراب الفرح فيها إلا تلبية الحاجات..
وننطلق إلى 'الغير مألوف' لتغدو تلك الحياة الجديدة، ولو بعد حين، مألوفة كعرس الابن في عودته إلى الأحضان الأبويّة، وكخمرة قانا الجديدة، وكاختيار مريم النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها..
وحده مَنْ وُلد في مغارة، وقام من قبرٍ كأنه من مغارة، يُخرجنا من أنين 'الحاجة' إلى حقيقة 'الغير المألوف'.. فهلا نسجد له على نحوٍ 'غير مالوف'؟!..
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....