أيها العزيزان الزوجان
ها إن عطلة الصيف تودّع آخر أيامها.. أرجو أن تكون رحلتكما الاستجماميّة موفّقة هذه السنة. أرجو تكونا قد عدتما منها بزخم جديد من الراحة والهمّة العالية، وأن تبعث فيكما فيض 'العسل' الزوجي، لتستمرّا في النجاح والاستقرار والحياة الراغدة الواعدة، خصوصاً بعد عقدين من زواجكما..
ها إنني أكتب لكما لكي نبقى على اتصال وتواصل. ليست كتابتي لكما مفاجأة، المستغرب هو ألا أكتب لكما!.. تأتي رسالتي هذه لتفتح مجدّداً نافذة رحبة على الاتفاق الذي تمّ بينكما منذ عشرين سنة وكنّا نحن باسم المسيح الثالث بينكما، لعلّ رسالتي تجد عندكما متسعاً من الاهتمام، ترتقيان به إلى قمّة متجدّدة من الفرح الزوجي ونضوج الحياة المشتركة، ولعلها أيضاً تخطُّ آفاقاً ساطعة نحو ملء التفاهم والتكامل.... أرجو أن تتحمّلا غلاظة مواعظي!..
أيها العزيزان
الزواج اختيار مقدّس؛ إنه تحقيق واقعي لصورة الله ومثاله. فكما أن الله هو كيان حب، ثالوث حب، متعدّد من وجه، وواحد في الجوهر من وجه آخر، كذلك الإنسان مدعو ليكون شركة حب، في ذات التعدديّة والوحدة. إن صورة الله لا تتحقّق في الإنسان الفرد، إنّما في كونه يحيا المشاركة؛ وتبلغ هذه المشاركة أجلى صورها في سر الزواج.
المشاركة ليست دائماً 'عسلاً'!.. فهي، إضافة لوجهها المشرق، تحمل من واقع الصليب ما تحمل. إنَّ الله ليس كيان عزلة، بل 'شركة ثالوث محبة'، وقد خلق الإنسان شبيها به، 'شركة محبّة'، والمحبة لا تخلو من صليب، كما الله!.. عندما يتحد الزوج والزوجة في الزواج لا يظهران بعد كشيءٍ أرضي، بل كصورة الله نفسه، في وجهيه: المصلوب والقائم. إنه فرح ومسؤولية في آن. أدعوكما إلى عيش حبكما في ملء الفرح وعمق المسؤولية. لا تتركا الرياح التي تهبُّ هنا وهناك، كاللامبالاة أو الغيرة أو الاهتمامات اليوميّة أو مستقبل الأولاد، تعبث به؛ بل لندعها تزيد قوتّه واستقراره، كالريح التي تعصف في هشيم النار فتزيده تأججاً واشتعالاً.
الحب في المسيحية هو خروج من الأنانيّة نحو إبراز جمالات الآخر وعذوبته. إن الواحد منكما للآخر هو هدية الله الفريدة، إنَّه كنزٌ ثمينٌ جدّاً، لا بدّ كلَّ يوم من التأمل في سرِّ عظمته. ولقد نشأتما منذ بداية تاريخ الحب الذي جمعكما على هذه الحركة. من يحدّق في عينيكما عندما تتبادلان كل أنواع النظرات، بما فيها نظرات العتاب والتعب، يقرأ هذا التاريخ. إن هذه القراءة هي مسؤولية عليكما معاً.. لذلك عليكما معاً الرجوع إليها، خصوصاً في هبوب الرياح، فهي لا تُـنقّي وحسب بل تبعث الفرح، كما الذهب حين يتعرّض للنار فيزداد لمعاناً. فإن كنت أنا الغريب أشعر في قراءتها بعمقها، فكم بالأحرى أنتما!.. لذلك عليكما بدوركما أن تقدّرا عالياً ما جمعكما (الحب) ومن جمعكما (الرب).
تتميَّز المسيحية بالمحبة، إنَّ 'الله محبة'...، يقول يسوع: 'يعرف الناس جميعاً أنَّكم تلاميذي إذا أحبَّ بعضكم بعضاً. الزواج هو صورة نموذجية لعيش هذا الحب؛ يعيش الرب في هذه 'الكنيسة البيتيّة' التي منها تتكوّن الكنيسة الجامعة. فبقدر ما تكون العائلة كنيسة تصبح بالتالي الكنيسة عائلة، وبالتالي يصبح الزواج المسيحي خميرة محبة للعالم يعلن دائماً سر الله المحبة.. خصوصاً في مجتمع كالذي نعيش فيه!.. نعم.. رأيت بيتكما كنيسة!.. والكنيسة رأيتها عائلة!.. ورأيت المجتمع في كل مكان.... كعجينة العالم!.. آه من هذا المجتمع!.. العالم كله صار مجتمعاً واحداً.. هذا جميل!.. ولكن.. إن كنا فيه الملح والخميرة وحبة الخردل!..
أيها العزيزان
الحبُّ والحياة الزوجيّة كنزٌ ثمين، كالإيمان.. الذي يقول عنه بولس الرسول أننا نحمله في آنية خزفيّة!.. فإن كان الإيمان كنزٌ يُحمل في الخزف، الحبُّ كنزٌ يُحمل في البلور!.. إنه شديد الحساسيّة، كثير الشفافيّة.. برّاق، متوهّج، يعكس ما في داخله من ضياء. ولكنّه يعكس أيضاً ما خبا وضعف من نور. فبعد سنوات من الالتزام، وجهد بناء المستقبل، قد يمرُّ هذا الكنز برتابة وشحّ. هذا أمر عادي ربما يختبره معظم المتزوجين بعد عقدين على انطلاقة هذا السرّ!.. ولكنّه في آن، فرصة ذهبيّة لتجديد القيم والالتزام. وكما في قانا الجليل لم يرضخ أصحاب الشأن للأمر الواقع في شحّ الخمر، كذلك لن يرضخ له من كان حبّهما كنزاً محمولاً في عذوبة الحساسيّة، وغبطة الشفافيّة، وتوهّج القلب، وضياء القيم.
أطلب إليكما أن تعودا دائما إلى هذا 'الكنز' العظيم؛ وتغرفا منه الفرح والسعادة؛ وتحصدا ثمار تعبٍ كل منكما على بناء شخصيّه منها، بالصبر والثبات، الحياة الزاهرة والنجاح؛ وأن يكون لديكما الشجاعة أن ليتقبل الواحد من الآخر كل وهَنٍ وضعف.
لا تقفا عند حدود، ولا تدعا ما اكتشفتما منها يكبر ويتعاظم، ولنُعطِ هذه الحدود حجمها، فسرعان ما يتبدّد ضيقُها ويتبعثر كالدخان غيمُها.. لن يُصهر الواحد في الآخر، ولن يكون تماماً كما يُترجى أن يكون.. لكلٍّ منكما فرادته، فلتكن هذه الفرادة غنى للآخر، وتكاملاً معه.. لا تتركا أمام فرحكما أيُّ عائقٍ وأيّة عثرة.. عليكما البحث عن جوٍّ من الصراحة وإمكانية المشاركة الحرّة والمُحبّة، كما من طاقات السلام والعطاء. لن ننسى شعلة الحب العذب التي تتوهّج عندما يلتقي نظر أحدكما بنظر الآخر، حتى في عمق التباين والجدال!.. قليلون من البشر مَنْ يتمتّعون بهذا التلاقي وتلك النظرة!.. ربما الأزواج وحدهم يمكنهم التمتّع بهذه الموهبة!
أودُّ أن تلتقيا بشكل أعمق،
وأن تترافقا مع الرب يسوع أكثر!..
الأيام الآتية.. انتظرا منها أن تقطفا ما هو أعذب من بنات العنب جودةً وغبطةً ونجاحاً!..
تخيّلا، وقد غطّى الأبيض رأسيكما وامتلأ منه قلبيكما، لتذكرا تاريخ حبّكما، كتلميذي عمّاوس، الذي كان يسوع الشخص الثالث بينهما، فيكون هذا 'المشهد الإرتجاعي' الـ flash back ضحكةً عارمةً بالنضوج والاستقرار.
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....