خُلقنا لنعيش بسلام مع ذواتنا وتنعم نفوسنا بفرح عميق.. 'إن مجد الله يظهر في الإنسان الذي يعيش ملء الحياة' (القديس ايرناوس)، ولكن الحياة لا تخلو من عقبات وفي الكثير من الأحيان نفتقر إلى تمكننا من عيش ملء الحياة.
في داخل كلٍِ منّا حاجة أساسية هي حب الذات وقبولها بفرح وتقديرها بصدق، الأنانية ليست مرادفاً لحب الذات بل هي شكل من أشكال البخل وخلل في الاتزان وعدم شعور بالرضى.
الأناني يعيش في حال قلق دائمة وهو منشغل دائماً بنفسه لا يعرف الطمأنينة ولا الرضى بل يستمر في الاضطراب ويعيش في خوف من ألا يحصل على ما يكفيه أو أن يفوته شيء إنه يعاني شعوراً حاسداً لرؤية إنسان آخر يتمتع بأكثر مما يملك هو. هذا النوع من البشر لا يحب ذاته بل إنما في العمق يكره ذاته!.. هناك سؤال على كل واحد أن يفكّر فيه بصمت وعمق: ما هي مشاعري الحقيقية عندما أسمع شخصاً يمتدح آخر؟
لماذا لا يروق لي أن أرى الآخرين فرحين بما هم عليه؟ ربما لا أريد للآخرين أن يحبوا ذواتهم لأنه لا قدرة لي على أن أحب ذاتي. يقول علم النفس: 'إن مواقفنا من الآخرين تتلون بمواقفنا الأساسية نحو ذواتنا'.. 'لا يمكن للمرء أن يكون في سلام مع الآخرين حتى يتعلم كيف يكون في سلام مع ذاته'.
وصف أحدهم قبول الذات بقوله: 'إنه شعور بالكرامة، شعور بقيمة خاصة وإحساس بالقدرة على التعامل مع الحياة'..'حب الذات حباً حقيقياً هي البداية في السعادة والنمو الإنساني'.
أساس مشكلاتنا:
الحب الذي يقدم للطفل يكون في الغالب مشروطاً فالطفل يشعر وهو يصغي إلى أهله أن حبهم يترافق مع متطلبات وشروط: إذا كنت عاقلاً.. إذا كنت مجتهداً... للحب ثمنه وعليك أن تدفع ذلك الثمن فيشعر الإنسان بأن قيمته هي في مظهره الخارجي أو سلوكه أو في كونه يقوم بما ينتظر منه الآخرون فكأن لا قيمة له في ذاته.
هناك مؤشرات سلوكية تظهر في حياة الشخص الذي لم يتمرس على حب ذاته والشعور بقيمة خاصة في نفسه:
• المبالغة في الأمور أو التبجح: التبجح سلوك ينبئ بمحاولة لتبجيل الذات يهدف المرء من خلالها إلى نيل إقرار الآخرين بقيمته الخاصة وإقناع نفسه بذلك.
• الموقف المنتقد: الإنسان الذي يفتقر إلى حب الذات الحقيقي يتأقلم مع واقعه من خلال انتقاده للآخرين.
• المبالغة في طلب الكمال.
• الخجل: يخشى الإنسان انتقادات الآخرين ورفضهم ولكي يجنبوا أنفسهم هذا الموقف يفضلون أن يخلقوا حواجز من حولهم ويحموا أنفسهم باللجوء إلى قناع الخجل.
• الغضب: إن الشخص الذي يشعر أن لا قيمة خاصة له يكره ما فيه من ضعف وسرعان ما يبدأ يكره ذاته وعندما يعبر المرء عن غضبه يشعر بشيء من الارتياح.
• الانسياق إلى الدفاعية: يحاول أن يكون مثالاً في الطاعة والصلاح وهذا يكون في مأمن من الانتقادات إذ أنه يخفي ذاته الحقيقية وراء بعض القواعد والامتثال لها.
• الانزواء والابتعاد عن الآخرين.
• المبالغة في العمل : نحن نعمل أحياناً وكأننا نحاول من خلال الإفراط في العمل أن نعوض مما فشلنا أن نحقق في ذواتنا
• الأقنعة، المظاهر: الإنسان عوضاً أن يتعامل بصدق مع الآخرين يغرق ذاته بأدوار يمثلها على مسرح الحياة فإذا ما انتقد الناس دوراً أسرع إلى تبديله.
• المبالغة في إرضاء الآخرين: الإنسان الذي لا يستطيع أن يقبل ذاته يقبل بكل شيء ويوافق على كل شيء من أجل الحصول على رضى الآخرين وثنائهم، إنه يفتقر إلى الصدق ويعيش في حال مساومة محزنة.
• الإنسان الجبان: الجبن غير الخجل، الجبان يعيش في خوف دائم من محاولة الإقدام على تحقيق أمور مهمة, وهو يرفض التعبير عن رأيه بحرية ويخاف ألا يكون مصيباً وهو يخاف الانفتاح على الآخر عله يلقى منه رفضاً.
لكل منّا سر في ذاته فريد في كيانه ومخلوق على صورة الله ومثاله . إن فينا حاجة إلى الشعور بحب حقيقي للذات وتقديرها واحترامها وتستمر فينا الحاجة إلى الفرح الحقيقي.
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....