مقدمة :
معناه في المفهوم المسيحي أن إنسانًا روحيًا، هيكل للروح القدس، يقترن بإنسانة روحية، هي الأخرى هيكل الروح القدس، يربطهما الروح في سر الزواج، لكى يصيرا واحدا.. لهذا ينبغي أن يكون الاثنان من نفس الإيمان، الإيمان السليم، لان الروح القدس لا يجوز أن يربط متناقضات إيمانية.
لهذا فإن الكنيسة تتقبل اعتراف الخطيبين، وتناولهما من الأسرار المقدسة قبل زواجهما، حتى يبدأ الاثنان حياة روحية سليمة، معا، متعاونين.. بهذا لا يكون الزواج مجالا للخلافات الزوجية، التي تحدث غالبا من عدم حياة الزوجين حياة روحية سليمة..
إن أجمل تشبيه للزواج المسيحي، والعلاقة بين الزوجين هو العلاقة بين المسيح والكنيسة وعن هذا الأمر قال الرسول 'هذا السر العظيم' (اف5: 32). أيوجد تشبيه أعمق من هذا؟ وحب أعظم من هذا؟ ' فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه' (أف5: 33). ليس الزواج المسيحي علاقة عابرة وتنتهي! إنها علاقة العمر كله. المرأة بالنسبة إلى الرجل 'لحم من لحمه، وعظم من عظامه' (تك2: 23) هي جسده وهو رأسها وكلاهما جسد واحد. ومن أجلها يترك أباه وأمه..! ما أعجب هذه الأهمية.
الزواج في المسيحية:
الزواج في العالم هو لتكوين أسرة ولتكوين حياة اجتماعية ولحماية الإنسان من أخطاء الشهوة الجنسية. أما الزواج في المسيحية فهو بالإضافة لما سبق ذكره فهو علاقة ثلاثية بين الزوج وزوجته والله. فبينما أن سر المعمودية يجعل المعمد في المسيح عضو حي وخليه حية في جسد المسيح. فإن سر الزواج يجعل الزوجين واحد في المسيح كخلية حية مثمرة لزيادة الكنيسة ونموها عدديًا.
ولأن الله شريك للأسرة فهو:
1- يكون هو رأسها، موجودًا في البيت ويباركه ويظلل عليه ويستر عليه ويضم أعضاء البيت بحنانه.
2- يقول الكتاب 'ما جمعه الله...' فالله الذي جمع الزوجين ليضمن نجاح هذه الأسرة يملأها من نعمة المحبة، وهذه المحبة هي محبة روحانية أي محبة مصدرها الروح القدس الذي ناله الزوجان في السر. لكن كأي نعمة فهي تحتاج للجهاد حتى تستمر وتنمو. والمحبة الروحانية غير المحبة الجسدانية. فهذه الأخيرة مصدرها الاحتياج الجسدي لكلا الطرفين لبعضهما البعض. وبينما أن المحبة الجسدية من سماتها أنها تتناقص سريعاً بسبب الخلافات الطبيعية بين الزوج والزوجة، نجد أن المحبة الروحانية تزداد مع الزمن حتى لو لم يكن هناك علاقات جسدية. وهذه المحبة هي نعمة غير منظورة يحصل عليها الزوجين بصلاة السر.
3- الزوجين الذين يأتون للكنيسة للزواج طالبين هذه النعمة ويطلبون هذه الشركة والوحدة في المسيح، قابلين أن يملكوا الله على بيتهم وعلى حياتهم يجعلهم الله ملوكًا وكهنة.
4- طبيعة المحبة التي يعطيها الله وهي المحبة الروحانية هي محبة على شكل محبة الله، هي باذلة، يبذل فيها كل طرف نفسه وما يملك للآخر.
5- عمومًا فالإنسان ينتمي لله بصفة أساسية وليس لإنسان آخر فنحن من الله وراجعين لله، فإن لم يكن الله شريكًا أساسيًا في حياة وبيت الزوجين، فهناك احتمال كبير لفشل هذا المشروع وهذا ما قاله السيد المسيح 'لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا' (يو5:15). لذلك فالله هو الذي يجمع الزوجين، ويجمعهم فيه، ويوحدهم فيه.
6- من عظمة سر الزواج أن بولس الرسول شبه علاقة الرجل بزوجته بعلاقة المسيح بكنيسته (أف22:5-33).
7- ليس معنى أن الله يعطى الزوجين محبة روحانية أن هناك خطأ في العلاقة الجسدية، وبولس يشرح أن هذه العلاقات طاهرة 'ليكن الزواج مكرمًا عند كل واحد والمضجع غير نجس' (عب4:13) وهذه العلاقة طاهرة فالله هو الذي أسسها حين قال 'ليترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون كلاهما جسدًا واحدًا' (تك24:2). فقوله جسدًا واحدًا معناه العلاقات الجسدية (راجع 1كو16:6).
8- ولكن بولس الرسول يوصى بأن تكون هناك فترة يقضيها الزوجين بدون علاقات جسدية، ويتفرغوا للصلاة والصوم. وفي هذه الفترة يتذوقا أفراح المحبة الإلهية حين يكرسا كل طاقاتهما لمحبة الله وراجع (1كو7: 32 – 34) وفي هذه الآيات نرى أن كل طرف من الزوجين ينشغل بالآخر، أما المتبتل لا ينشغل سوى بالله. ولذلك بدأ بولس الرسول هذا الإصحاح بأنه 'حسن للرجل ان لا يمس امرأة' حتى يتكرس بكل عواطفه لحب الله فيرتفع من مستوى الملذات الجسدية إلى الأفراح الروحية وهى أثمن بما لا يقاس. وراجع في هذا تفسير الإصحاح السابع من رسالة كورنثوس الاولى. ولكن على أن يكون هذا بالاتفاق بين الزوجين حسب قول بولس الرسول.
9- الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان : هناك زواج مدني وهو سنة إلهية منذ بدء الخليقة (تك1 ، 2) ولكن الزواج في المسيحية مختلف، فالزواج يكون ببركة خاصة من الله وبسماح منه وعن طريق وكلاؤه من الكهنة. لماذا؟ ببساطة فالمسيحي حين تعمد فهو صار عضوا في جسد المسيح وخلية حية في جسده. وأي تغيير في صفته لا بد أن يكون بسماح وبركة ونعمة خاصة يعطيها الله للزوجين ليكونا جسدا واحدا في المسيح، وخلية متكاثرة في جسده. فهل يحق للمسيحي أن يتزوج زواجا مدني وهو عضو في جسد المسيح دون بركة وإذن من رأس الجسد؟ لذلك يقول الذي جمعه الله...
أهداف الزواج :
هل لابد من الزواج لغالبية الناس؟ ولماذا؟ نحن نرى في المسيحية أهدافا ثلاثة للزواج:
(أ) الاتحاد المقدس:
ليس جيدا إن يبقى آدم وحده، أصنع له معينا نظيره (تك2: 18) إنها وحدة ح بطاهرة مقدسة في المسيح، على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة .
(ب) الاشتراك مع الله في الخلق:
فالزوجان يشتركان مع الله في عملية الخلق، وهذا مجد عظيم للإنسان أنها ليست أمورا حسية وحسب، بل هي تحوى في طياتها مهمة حفظ النوع الإنساني، ولقد أوجد الله في الإنسان الابوة والامومة، قبسا منه، لكي يستمر البشر على الأرض، ويزداد عدد اولاد الله المتمتعين بحبه.
(ج) طريق خلاص:
'التزوج أصلح من التحرق' (1كو7: 9) أي إن غالبية البشر طريقهم للخلاص هو الزواج، ففيه استخدام مقدس للغرائز في إطار الطهارة والعفة والانضباط المسيحي، أما البعض الذين 'أعطى لهم' (مت19: 11) فهم يشعرون إن خلاصهم هو في البتولية، ليكونوا الله بكل كيانهم ن وهم مدعوون لهذا، ولا فضل لاحد على الآخر، لأنه لا خلاص بدون المسيح، وان كانت البتولية تعطى فرصة اكبر للانطلاق الروحي والكرازي، إلا أنها دعوة خاصة، لا يشتهيها الإنسان أو يفتعلها، بل يتقبلها من الرب كموهبة، 'لأني اريد إن يكون جميع الناس كما انا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله. الواحد هكذا والآخر هكذا' (1كو7: 7) وما عليه الا إن يجاهد ليحافظ عليها.
اختيار الشريك :
جب إن يلتزم الشاب المسيحي بمبادئ عامة وهامة في الاختيار مثل:
(أ) الزاوية الروحية : هل الطرف الآخر قريب من المسيح ويسلك في طريقه ام لا؟ هل هو روحي النزعة ام انه علماني القلب؟
(ب) الزاوية المادية: تقارب المستوى المادي افضل ن بسبب أنماط السلوك المختلفة في المعيشة والسكن والثياب وخلافه، وما تحتاجه هذه الانماط من مصروفات.
(ج) الزاوية الاجتماعية والثقافية: يستحسن التقارب الاجتماعي والثقافي ايضا، فبيئة الريف تختلف عن بيئة المركز، وهذه تختلف عن المحافظة، فالمشارب مختلفة، ويستحسن إن يكون الطرفان ذوى مشارب متقاربة اجتماعية وثقافية.
(د) الزاوية الجمالية: يجب ألّا تأخذ أكبر من حجمها، فهو شيء مؤقت سرعان ما يزول كزهر العشب، وكثيرا ما يكون الجمال الجسدي سبب متاعب وغيرة، بل إن الملاحظ انه يكون أحيانا سبب تأخر ذهني وثقافي وروحي بسبب انشغال الإنسان بنفسه.
الزواج عند الذهبي الفم :
اتضح سابقاً أن الفريد والمميز في فكر أبينا فم الذهب هو نظرته للنسك بمنظار اسختولوجي، عندها يغدو النسك فناً ليس رهبانياً بالحصر وإنما فضيلة اجتماعية.
لهذا فأية دراسة حول الزواج في كتابات أبينا القديس ستقدّم الكثير والمفيد لمجتمعنا المعاصر وإذا كانت النظرة إلى النسك كفنّ اجتماعي تبدو 'غريبة' في مجتمعنا، فهذا يعود بالتحديد إلى أنَّ هذا المجتمع متأثر غالباً باللاهوت الغربي ومعتقداته. بعد دراسة الزواج عند الأب القديس سوف نتابع عرض الأبعاد الاسختولوجيّة لمفهومه للعائلة، أي في التربية أيضاً وفي العمل وفي الدولة وعلاقة المؤمن بها وسائر الأطر الاجتماعيّة الأخرى.
في نصوص وكتابات الآباء الشرقيين الأرثوذكسيين، وفي العمق الاسختولوجي ينتقل مركز الأهميّة من 'العزوبية' إلى 'النسك' في حالات البتوليّة، أي إلى الطريق الضيق المؤدّي إلى الحياة. هذا ما نراه مثلاً عند قديسين كـ أثناسيوس الكبير وغريغوريوس النيصصي ويوحنا الذهبي الفم. هكذا وبفضل هذه النظرة الاسختولوجيّة تصبح النهاية الواحدة للطريق الضيق وغايتها المشتركة بتعدد الأساليب فيها. في هذا تمايزت المسيحيّة منذ فجر نشأتها عن الغنوسية. وانطلاقاً من هذا الأساس السليم نجد أنه عبر تاريخ أدبنا المسيحي شدّد آباؤنا على مزايا الرهبنة وفضائلها كما شدّدوا على مزايا الزواج. فالزواج والبتولية هما وجهان لطريق واحد، الطريق الضيّقة المؤدية إلى الحياة. وكلاهما يحققان عفة الروح. لدينا مثال هو طرفا ثابور في تجلي المسيح. لقد كان موسى الذي تزوج وإيليا الذي تبتّل، حول المسيح في المجد ذاته. فلم يمنع الزواج ما حققته البتولية. في كنيستنا الشرقية سُمِحَ دائماً للاكليروس بالزواج، على عكس الكنيسة الغربية، وهذا دليل على أن هذه الطريقة ليست أدنى بل هي الوجه الآخر. في المجتمع المسكوني الأول طُرحتْ مسألة الاكليروس المتزوج، والذي دافع عن ذلك كان الراهب المتشدد 'παφνουτιος'. إن مباركة المسيح، كما يقول طقس الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية، للزواج في عرس قانا الجليل هو بركة دائمة. على عكس الآباء والكتّاب الغربيون مثل كبريانوس وأمبروسيوس وايرونيموس وأفغوسطينوس حيث ظهر الميل الشديد إلى البتولية مع الانتقاص من قيمة الزواج بشكل ملاحظ وشديد. من هذه المصادر المتطرّفة الأخيرة، وللأسف، تنهل أغلب الدراسات الغربية الانثروبولوجية اليوم، وكنتيجة حتميّة، لذلك يلغى فيها التوازن الأخلاقي الموجود بين الزواج والبتولية، الذي نراه عند آبائنا الشرقيين، وهكذا يتحورّ المفهوم المسيحي الحقيقي وتفسد روح الكتاب عينه كما يخان الفهم الآبائي الصحيح.
أهداف الزواج :
هل لابد من الزواج لغالبية الناس؟ ولماذا؟ نحن نرى في المسيحية أهدافا ثلاثة للزواج:
(أ) الاتحاد المقدس:
ليس جيدا إن يبقى آدم وحده، أصنع له معينا نظيره (تك2: 18) إنها وحدة ح بطاهرة مقدسة في المسيح، على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة .
(ب) الاشتراك مع الله في الخلق:
فالزوجان يشتركان مع الله في عملية الخلق، وهذا مجد عظيم للإنسان أنها ليست أمورا حسية وحسب، بل هي تحوى في طياتها مهمة حفظ النوع الإنساني، ولقد أوجد الله في الإنسان الابوة والامومة، قبسا منه، لكي يستمر البشر على الأرض، ويزداد عدد اولاد الله المتمتعين بحبه.
(ج) طريق خلاص:
'التزوج أصلح من التحرق' (1كو7: 9) أي إن غالبية البشر طريقهم للخلاص هو الزواج، ففيه استخدام مقدس للغرائز في إطار الطهارة والعفة والانضباط المسيحي، أما البعض الذين 'أعطى لهم' (مت19: 11) فهم يشعرون إن خلاصهم هو في البتولية، ليكونوا الله بكل كيانهم ن وهم مدعوون لهذا، ولا فضل لاحد على الآخر، لأنه لا خلاص بدون المسيح، وان كانت البتولية تعطى فرصة اكبر للانطلاق الروحي والكرازي، إلا أنها دعوة خاصة، لا يشتهيها الإنسان أو يفتعلها، بل يتقبلها من الرب كموهبة، 'لأني اريد إن يكون جميع الناس كما انا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله. الواحد هكذا والآخر هكذا' (1كو7: 7) وما عليه الا إن يجاهد ليحافظ عليها.
اختيار الشريك :
جب إن يلتزم الشاب المسيحي بمبادئ عامة وهامة في الاختيار مثل:
(أ) الزاوية الروحية : هل الطرف الآخر قريب من المسيح ويسلك في طريقه ام لا؟ هل هو روحي النزعة ام انه علماني القلب؟
(ب) الزاوية المادية: تقارب المستوى المادي افضل ن بسبب أنماط السلوك المختلفة في المعيشة والسكن والثياب وخلافه، وما تحتاجه هذه الانماط من مصروفات.
(ج) الزاوية الاجتماعية والثقافية: يستحسن التقارب الاجتماعي والثقافي ايضا، فبيئة الريف تختلف عن بيئة المركز، وهذه تختلف عن المحافظة، فالمشارب مختلفة، ويستحسن إن يكون الطرفان ذوى مشارب متقاربة اجتماعية وثقافية.
(د) الزاوية الجمالية: يجب ألّا تأخذ أكبر من حجمها، فهو شيء مؤقت سرعان ما يزول كزهر العشب، وكثيرا ما يكون الجمال الجسدي سبب متاعب وغيرة، بل إن الملاحظ انه يكون أحيانا سبب تأخر ذهني وثقافي وروحي بسبب انشغال الإنسان بنفسه.
الزواج عند الذهبي الفم :
اتضح سابقاً أن الفريد والمميز في فكر أبينا فم الذهب هو نظرته للنسك بمنظار اسختولوجي، عندها يغدو النسك فناً ليس رهبانياً بالحصر وإنما فضيلة اجتماعية.
لهذا فأية دراسة حول الزواج في كتابات أبينا القديس ستقدّم الكثير والمفيد لمجتمعنا المعاصر وإذا كانت النظرة إلى النسك كفنّ اجتماعي تبدو 'غريبة' في مجتمعنا، فهذا يعود بالتحديد إلى أنَّ هذا المجتمع متأثر غالباً باللاهوت الغربي ومعتقداته. بعد دراسة الزواج عند الأب القديس سوف نتابع عرض الأبعاد الاسختولوجيّة لمفهومه للعائلة، أي في التربية أيضاً وفي العمل وفي الدولة وعلاقة المؤمن بها وسائر الأطر الاجتماعيّة الأخرى.
في نصوص وكتابات الآباء الشرقيين الأرثوذكسيين، وفي العمق الاسختولوجي ينتقل مركز الأهميّة من 'العزوبية' إلى 'النسك' في حالات البتوليّة، أي إلى الطريق الضيق المؤدّي إلى الحياة. هذا ما نراه مثلاً عند قديسين كـ أثناسيوس الكبير وغريغوريوس النيصصي ويوحنا الذهبي الفم. هكذا وبفضل هذه النظرة الاسختولوجيّة تصبح النهاية الواحدة للطريق الضيق وغايتها المشتركة بتعدد الأساليب فيها. في هذا تمايزت المسيحيّة منذ فجر نشأتها عن الغنوسية. وانطلاقاً من هذا الأساس السليم نجد أنه عبر تاريخ أدبنا المسيحي شدّد آباؤنا على مزايا الرهبنة وفضائلها كما شدّدوا على مزايا الزواج. فالزواج والبتولية هما وجهان لطريق واحد، الطريق الضيّقة المؤدية إلى الحياة. وكلاهما يحققان عفة الروح. لدينا مثال هو طرفا ثابور في تجلي المسيح. لقد كان موسى الذي تزوج وإيليا الذي تبتّل، حول المسيح في المجد ذاته. فلم يمنع الزواج ما حققته البتولية. في كنيستنا الشرقية سُمِحَ دائماً للاكليروس بالزواج، على عكس الكنيسة الغربية، وهذا دليل على أن هذه الطريقة ليست أدنى بل هي الوجه الآخر. في المجتمع المسكوني الأول طُرحتْ مسألة الاكليروس المتزوج، والذي دافع عن ذلك كان الراهب المتشدد 'παφνουτιος'. إن مباركة المسيح، كما يقول طقس الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية، للزواج في عرس قانا الجليل هو بركة دائمة. على عكس الآباء والكتّاب الغربيون مثل كبريانوس وأمبروسيوس وايرونيموس وأفغوسطينوس حيث ظهر الميل الشديد إلى البتولية مع الانتقاص من قيمة الزواج بشكل ملاحظ وشديد. من هذه المصادر المتطرّفة الأخيرة، وللأسف، تنهل أغلب الدراسات الغربية الانثروبولوجية اليوم، وكنتيجة حتميّة، لذلك يلغى فيها التوازن الأخلاقي الموجود بين الزواج والبتولية، الذي نراه عند آبائنا الشرقيين، وهكذا يتحورّ المفهوم المسيحي الحقيقي وتفسد روح الكتاب عينه كما يخان الفهم الآبائي الصحيح.
الرجل والمرأة:
ترتيب، محبة مخلِّصة وطاعة مخلِّصة:
موضوع العلاقات بين كلّ من الزوجين له أهمية في موضوع هدف الزواج وغايته. المثال الأول للحياة الزوجية وطبيعتها ليس إلا ذلك المعطى من بولس الرسول، أي علاقة المسيح بالكنيسة. بالطبع من البديهي أن تكون هذه العلاقة ذات مفهوم اسختولوجي، أي أنها علاقة خلاصية، أي علاقة المحبة المخلّصة بالطاعة المخلّصة. حيث كلّ من المحبة والطاعة تصيران الواحدة هديّة وثمنا للأخرى، ولكليهما الهدف نفسه والغاية المنشودة عينها. إنها بكلام آخر علاقة الجسم بالرأس. فإن كان يتوجب على المرأة الطاعة فهذا لا يعني أن حقوق الرجل أولاً هي الرئاسة والسيادة، وإنما، بالجوهر، واجبه هو المحبة. فالطاعة إذن لا تتماشى ولا تترافق مع الرئاسة وإنما مع المحبة. الرئاسة في النهاية هي مكافأة المحبة، فمن يُحمّل بالأحمال الأثقل، أي بالمحبة تُهدى له الرئاسة. إن نظرة الذهبي الفم الاسختولوجية تعكس العثرة الاجتماعية العامة، عثرة رسالة العرس، أي أفسس (5، 22-23)، فالقديس هنا يشدّد على أن الثقل الملقى في هذا المقطع، ثقل الواجبات، ليس هو طاعة المرأة وإنما المحبة التي يصفها بولس ويحمّلها على عاتق الرجل. هكذا يقول أبونا القديس، يطلب بولس من الرجل محبة كمحبة المسيح لكنيسته، أي أن يعتني ، أن يحبّ، أن يهتم وأن يضحي بنفسه من أجل امرأته. هذه المحبة يمكن أن نفهمها كتصوّر في الفضيلة.
بكلام آخر، إن طاعة المرأة تزيد من محبة رجلها لها وتجعل تضحيته، هذه التي يصفها بولس، ممكنة. أو بشكل عكسي إن محبة الرجل، هذه السابق وصفها، تجعل طاعة المرأة خفيفة وجميلة. فالطاعة هي الدواء اللازم لمنع الرّياء الذي يمكن أن يهدّد محبة الرجل هذه. أمّا المحبة فهي المضاد الذي يمنع التسلط الذي يمكن أن يهدّد الطاعة. فأبونا القديس، كما يعبّر عن أخلاقياتنا المسيحية اسخاتولوجياً، يفترض طاعة المرأة لرجلها وطاعة الرجل لله ومحبة الرجل لامرأته، فإن وحدة الزوجين تتم بوساطة المحبة في الطاعة وبالطاعة في المحبة.
واعترافاً برئاسة الرجل بأنها العناية، وبالمحبة المخلصة، يقبل قديسنا مع بولس الرسول أن تنعكس الرئاسة إذا انعكست أسبابها وامتيازاتها. بما أن الطاعة دخلت بعد السقوط وبعد اضطراب العلاقة بين الزوجين وبعد تزعزع أواصر المحبة ودخول الخطيئة ولم تكن منذ البداية، إذن له هدف اسختولوجي. هكذا بما أن المرأة هي أوّل من عصى وضلّ، لهذا منذ ذلك الوقت هي من يخضع ويسمع.
أضف إلى ذلك أنه بعد السقوط، وبعد غياب المحبة الكافية، صار التساوي سبباً للاختلاف والتعارك، لهذا أُدخلت الطاعة اسختولوجياً. وجوهرياً، أن الرئاسة لا ترتبط بالجنس المحدّد أي بالرجل، ولكن بذلك الذي لا يضل ويطيع الله ويحفظ الإيمان، بينما العبودية كدواء جاءت بعد السقوط، فإنه من الممكن أن تخلّص المرأة الرجل كما يذكر بولس ذاته (1كو7، 16): وما أدرَاكِ أيتّها المرأة 'لربّما تخلّصين الرجل'، أي يتبادل هنا الجنسان الرئاسة.
لهذا إن زنى الرجل المتزوج يدان أكثر من زنى غير المتزوج وندعوه فجوراً لأن هذا الأمر لا يشكل فقط تدنيساً للجسد، وإنما استغلالاً لجسد لا نملكه وإنما هو ملك للآخر أي بشكل آخر سرقة واقتناص واختلاس. هذا الفجور هو أبشع من الزنى العادي لأنه لا يلغي فقط العفة وإنما أيضاً يقتل المحبة. إذ أن شرط وجود المحبة هو تقديم الطاعة والعكس بالعكس، شرط تقديم الطاعة تواجد المحبة. هذا لا يعني أنه في حال غياب أحد الشرطين أن تتزعزع العلاقة وتنفك الروابط، لأن كلا المحبة والطاعة يربطهما القديس اسختولوجياً، ليس فقط بالعلاقة المتبادلة بين الزوجين وغير الأكيدة بشكل عام، إنما بالعلاقة اسختولوجيا مع الله والأكيدة دائماً. هكذا في حال اضطراب هذه العلاقة المتبادلة ينصح الأب بأن تُقَّدم المحبة أو الطاعة من الطرفين لله. هكذا نظرة الأب العميقة اسختولوجية، وهي لا تشرح لنا فقط معنى الرئاسة والطاعة، وإنما أيضاً تربط كليهما برابط أقوى من الروابط الاجتماعية ضمن الأطر الحياتية الحقوقية والواجبية، برابط هو بالرّب.
يرفض كل فكر عالمي يقدّم كرامة للرجل وبنفس الوقت يحقر المرأة. هذه الأفكار التي لا تنبع من الكتاب ومن فكرته الاسختولوجية وهذا هو الموجود في مجتمعاتنا حتى المتطورة منها، التمييز والفصل، أما التعليم الكتابي فهو أسلوب وحده. إن الفكر الكتابي هو حلّ عملي وفعلي للمشاكل العصرية حول حقوق وواجبات كل من الزوجين وكل المشاكل الراهنة الاجتماعية بما يختص بحقوق المرأة وعلاقة الجنسين. الذهبي الفم يشير إلى أن النساء يحملن بعض النواقص لكنه يصنفها في صنفين: فالنوعية الأولى تحتوي النواقص الاخلاقية، فمثلاً الزينة الزائدة، الخوف، وغير ذلك. ولكن هذه النواقص ليست في طبيعة المرأة، وإنما تدخل إليها من التربية.
ودليل ذلك أن هذه النواقص تتبدل من امرأة إلى أخرى، وأحياناً من المرأة إلى الرجل. فبرهان ذلك أنه يوجد رجال يخافون أو يحملون تلك النواقص السابق ذكرها.
بينما نرى نساء يتمتعن بالرجولة والوعي والبساطة، في هذه النواقص يلعب دوراً كبيراً إعجاب الرجال بها. والعكس ليس حالة نادرة حين نرى نساء سبقن الرجال في البساطة وشدّة الإيمان وشجاعة التقوى والمحبة الخالصة نحو المسيح. لا يفتأ الذهبي الفم عن التشديد والتكرار لشروحاته، بأيّ نساء كنّ متصبرات في الجهاد الروحي والفضائل الكتابية والمسيحية. ويردّد الكثيرات منهن: سارة ورفقة وراحيل وسيفورة وحنة اللواتي صرن بإيمانهن وفضائلهن معلمات فعلاً للرجال. على كلٍّ، ينّوه الذهبي الفم أن بولس الرسول ذاته يعرف هذه الحالات ويعترف بها، وذلك عندما يذكر بريسكلاّ قبل رجلها أكيلا، وذلك لتقدّمها عليه بالتقوى والفضيلة.
إذن النساء متساويات فعلاً، ويمتلكن نفس القوى من الناحية الأخلاقية، ويستطعن على وجه السواء أن يسابقن الرجال في التضحية والتكريس للجهادات الروحية وأن ينجحن بذلك.
وفي الصف الثاني، أي النوعية الثانية، يصف كل النواقص الطبيعية كما هي، مثلاً الضعف الجسدي بمقارنة المرأة بالرجل. لكن نواقص كهذا هي امتيازات طبيعية جسدية لا قيمة للفرق بها اسخاتولوجياً أو أخلاقياً. وهذه الامتيازات التي يعطيها العالمَ المعلن أهمية، هي بالواقع لا أهمية لها. فالقوة الجسدية حين توجد أو حين تغيب لا تزيد الإنسان كرامة ولا تنقصه منها. فعندما يجري الكلام عند آبائنا القديسين يجري الكلام بالأخص على طباع نسائية وعلى رجولة. وهذه الطباع ذات المعنى الأخلاقي تأتي من التربية وليس من الطبيعة. لهذا يشدّد فم الذهب أن بولس استطاع أن يقول: لا عبد ولا حرّ، لا رجل أيضاً ولا امرأة. لهذا يتابع أبونا ويقول: فلا الطبيعة ولا الضعف الجسدي يمنعان التقوى أو التقدّم بسرعة في طريق الكمال. فالمطلوب إذن أن نطرح عنا الطباع النسائية لتشتعل فينا الرغبة والهمّة، اليقظة والرجولة.
فعندما نفسّر القوة بالرجولة عندها تسقط التمييزيات العالمية التي بحسبها تصير المرأة أدنى من الرجل. لكن الواقع أن هذا الطبع النسائي سمّي هكذا لأن الناس يربونه بالعموم في بناتهم. ونلاحظ أن هذه الاهتمامات المعاكسة للرجولة بشكل عام عند النساء. لكن هذا كما ذكرنا لا يعود إلى طبيعتهنّ ودليل ذلك أن مثل هذه التمييزيات تلغى في الكنيسة لأن التربية هنا تختلف عن التربية العالمية. هذا الطبع هو طبع يختص بالنفس وليس بالجسد.
طقس الزواج:
قديماً لا توجد نصوص واضحة تشير إلى ذلك. لكن الإسرائيلي كان يعرف أن الله يقودهُ في اختياره زوجته (تكوين 24، 42-52)، وأن الله في العهد حدد شرعيَّة وناموس وقوانين هذا الزواج.
كتاب طوبيا، بعد السبي، يعطي روحانية أسمى عن الأسرة المهيَّئة بيد الله (3: 16), بولس الرسول يعطي للزواج درجة سامية جداً حين يربطه مع علاقة المسيح بالكنيسة. والزواج في الكنيسة لا يعني أبداً مباركة ما هو طبيعي، لكن يعني إطلاق هذه الوحدة الجدّيدة في درب الملكوت.
إن سر الزواج كغيره من الأسرار لا يعمل في الإنسان بشكل عفوي، وإنما يشترط قبوله المعبَّر عنه بمساهمته في طلب نعمة السر.
سرّ الزواج يشدد على وجه الشهادة. الدورة حول المائدة وترانيمها 'أيها الشهداء القديسون...' كلها موازية لما يتم بسرّ الكهنوت. والرابط بين السرّين هو سرّ المحبة كشهادة. المحب دائماً شهيد. المحبة دائماً تربح. إن وضع الإكليل يؤكد عن نظرة الكنيسة للعروسين كشهيّدين تكللهما. إن ذكر الشهداء الأربعين.. يؤكد أيضاً على درب المحبة والشهادة فيها.
.
.
.
.
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....