يلعب الآباء ( الأب و الأم ) دوراً محوريّاً وهامّاً وخطيراً في حياة الأبناء،
وفي تشكيل شخصياتهم وتزويدهم بالقيم و المفاهيم و الأدوار المطلوبة منهم . فالآباء هم الذين ينمّون مشاعر المحبة و العطاء أو الكـره و الغضب ، وهم الذين يعزّزون ثقة الأبناء بأنفسهم أو تدميرها .
فغياب الأب أو الأم بشكل غير عادي ، أو لمدة أطول من المعقول ، يخلق فراغاً نفسيّاً وعاطفيّاً وتربويّاً تنعكس نتائجه السيئة على الأسرة ، فإذا كان غياب الأم لسبب ما يتسبب بحرمان الأبناء من حقهم بالعطف و الحب و الحنان و الـشعور بالأمان ؛ فإن غياب الأب بالإضافـة للحرمان العاطفي من جانبه يفقد الأسرة جانب الرعاية المادية ، وعنصر السلطة المعنوية التي يُفترض أن تقوم بعمل التوازن العاطفي و المادي و التربوي و الفكري و الاجتماعي داخل الأسرة .
*** شخصية الأب وأثرها في حياة الأبناء ***
*** نماذج من العلاقات بين الآباء و الأبناء ***
النموذج الأول : أبناء يعيشون مع الأب و الأم بنفس البلد ضمن نظام الأسرة : وفي هـذا النموذج تنقسم العلاقة بين الآباء و الأبناء إلـى قسمين :...
( أ ) علاقات طبيعية و آمنة : حيث يقوم الأب بدوره التربوي والإرشادي و المادي ؛ وبالتالي
( ب ) علاقات غير طبيعية : فالأب موجود ولسبب ما لا يقوم بدوره الصحيح في رعاية الأبناء ، كأن يكون ضعيف الشخصية أو تكون الزوجة متسلطة ، أو يكون مريضاً نفسياً ، أو غير مستقل عن والديه ، أو غير مدرك لحقيقة دوره الأبوي ،
النموذج الثاني : أبناء لهم آباء ولكن لا يعيشون معهم بسبب الزواج بأخرى : ما يحدث أنه بعد الزواج المتعدد غالباً ينشغل الآباء بحياتهم الجديدة ، فقد يستمر الآباء برعاية أبنائهم من الزوجات الأخريات ، ولكن هذا يقلل الحصة المخصصة لهم من الحب و الرعاية و الاهتمام ، فقد قلّت بسبب غياب الأب بصورة أكبر من المعتاد ، وكثرة مشاغله ، وربما بسبب رفض الأبناء للواقع الجديد و الحواجز التي فُرضت بسببه .
النموذج الثالث : الآباء المضطربون نفسياً أو اجتماعياً :
الأب الذي يعيقه مرضه النفسي أو الاجتماعي - كالاكتئاب أو سوء الطباع - عن القيام بدوره الصحيح ، يمتنع الأبناء من الاعتماد عليه كمرجعية في مواجهة الحياة . وقد يخلق جواً من التوتر و القلق و الاختلال داخل المنزل .
النموذج الرابع : أبناء المطلَّقين :
وللأسف نرى على أرض الواقع أن الأبناء أيـضاً يُطَلَّقون مع الأم ، وخاصة إذا خيروا بين العيش مع الأب أو الأم ، ويخوضون حرباً لا دخل لهم بها ، فكثير من الآباء يرفضون أن يعيش أبناؤهم معهم ، ويعاقب الأبناء بجريرة الأم .
النموذج الخامس : أبناء أيتام الأب بسبب الوفاة :
وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى تعريف ، ولكنهم فقدوا عنصراً هاماً من كيان الأسرة تسبب في فقدان الأمن و الحماية الطبيعية ، وكذلك فقدان جانب الإشباع العاطفي والنفسي و الاجتماعي . فإذا كانت الزوجة الأرملة غير قادرة على القيام بالمسؤولية المضاعفة الملقاة على عاتقها كان الأثر السلبي لليتم على الأبناء أكبر .
النموذج السادس : أبناء المغتربين :
إن غياب الآباء لفترات طويلة جداً من شأنه الإخلال بالدور الأبوي في الأسرة ؛ فالأب المغترب عندما يأتي لِـ ( زيارة ) أسرته ، لا يُعتبر بعد فترات الغياب الطويل إلا ضيفاً ! حتى الأب نفسه مع الغياب المستمر يبدأ بالشعور بوجود حواجز عاطفية و فكرية و نفسية بينه و بين أبنائه وزوجته ، بل لا يعود يشعر بالانتماء النفسي لأسرته ، وقد يشعر أن بيته الحقيقي هو في مكان غربته .
*** نتائج غياب الآباء عن الأبناء ***
تختلف آثار غياب الآباء عن الأبناء من شخص لآخر ، اعتماداً على قدرة الأم على القيام بالدور المزدوج المطلوب منها . ووجود الدعم الخارجي للأبناء ، واعتماداً على أعمارهم ، وعلى حالتهم النفسية وطباعهم . ولكن هناك أثار مشتركة تجمع بينهم ، وهي :
أ ) ضعف القدرة على إظهار المشاعر الداخلية و التعبير عنها بسبب إخفائهم لمشاعر الحزن و الأسى و الغضب و الحيرة .
ب) يكون الأبناء أكثر عرضة للتشرد و الانحراف و الضياع ، والممارسات السلوكية الخاطئة ، والإخفاقات الدراسية ، أو سوء التوافق في المجتمع بسبب خذلان الوالدين لهم و التخلي عنهم .
ج) غياب القدوة السليمة ، واختلال مفاهيم الدور المتوقع منهم كآباء أو أمهات مستقبلاً .
د ) فقدان الشعور بالأمن النفسي .
هـ ) وجود مسافات من البعد العاطفي و النفسي في المجتمع ، وتنامي مشاعر الغربة ، وغياب التفاعل الحقيقي بين الآباء و الأبناء .
وخـــــــــــتـــــــــــــامـــاً ... لا أريد أن أنكر التضحيات التي قامت بها الكثير من النساء في سبيل الوصول بأبنائهم إلى بر الأمان في غياب الآباء . ولكن أريد أن أدعو الآباء إلى مراجعة الذات في علاقاتهم مع أبنائهم ، وأذكرهم بخطورة دورهم في حياة أبنائهم . فالأبوّة الحقّة لا تتطلب أن تكون شخصية الوالد قوية متسلطة جبارة ، بل على الوالد أن يكون متوازناً في القول و الفعل و العاطفة ، قادراً على التغلب على ضعفه وتخاذله ، متفهماً لاحتياجاتهم مشاركاً لهم أفكارهم و أحلامهم ، وقدوة لهم بالقول و العمل ... والله المستعان
بقلم: ألان فينكيلكروت
2013-09-29
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
المدرسة والتعليم... في عصر العالم الرقمي السائل والآني
بقلم: ألان فينكيلكروت
دعوت في 2007 ال....