جلست وحدي ذات مرة أتأمل صحراء حياتي أبحث عن أي نبتة صغيرة خضراء ترضيك أيها الكرّام ولكن لم أجد سوى نبتة واحدة ولكنها واقفة عن النمو وبحثت عنك أيها الفلاح لكي تعرفني ما نوع هذه النبتة ولماذا هي هكذا دائماً صغيرة لاتنمو ولم أجدك في حدود صحرائي وبطرف عيني لمحت خيالاً لكوخ أو منزل صغير فقلت قد يكون هناك فذهبت في اتجاه هذا البيت فوجدته في وسط قطعة الأرض المجاورة لي ولكنها ليست صحراء فهي حديقة جميلة وفي وسطها هذا الكوخ فطرقت الباب لكي أسأل عنك فأجاب صوت من الداخل يشبه صوت صديقي بل هو صديقي يقول لي: لا أستطيع أن أفتح لأني تحت قدميه اشتهيت الجلوس وهو معي الآن. فألححت عليه فخرج لي راعي نفسي وقال لي ماذا تطلب؟ قلت لماذا أرضي صحراء وأرض صديقي حديقة خضراء تخرج ثمراً مختلفاً ألوانه ومذاقه؟ قال لي يا ابني لكل إنسان خلقته وضعت فيه نبتة صغيرة هي نفحة من روحي القدوس وعلى هذا الإنسان أن يجاهد ويعمل دائماً على تغذية هذه النبتة حتى تكبر وتصير شجرة أما كل الأشجار التي تراها في حديقة صديقك فهو عمل في حر الصيف تحت أشعة الشمس وفي برودة وظلام الليل حتى استحق أن يأخذ هذه العطايا (الفضائل).
وأخذني من يدي وقال لي تعال نبدأ من أول النبتة الصغيرة فهو قد رواها بدموعه وصلواته إلى أن فتح له الله ينبوع المياه الحية فكبرت النبتة شيئاً فشيئاً وأصبحت شجرة ومن هذه الشجرة أخذ بذارها وعمل بها مرة أخرى مراعياً إياها حتى أنبتت وأعطت له ثمارها وهكذا كلما كبرت شجرة ونمت يزرع الأخرى إلى أن صارت أرضه كما تراها.
أما أنت فأين ما فعلته لتسأل عن ثمرة أتعابك لقد كنت تنام بما يكفيك وتأكل وتلهو وليس في فكرك أن تخدم هذه النبتة وبالتالي لم يفتح لك الله باب نعمته التي هي بمثابة ينبوع الماء الحي الذي يستطيع أن يمد تلك النبتة بالنمو فلماذا اذاً تطلب ثمراً؟
قلت: آه يا سيدي الرب حقاً لقد كنت متكاسلاً عن الجهاد وكنت غافلاً عن هذه النبتة وأحياناً ًكنت أبحث عنك خارجاً لكي أجلس إليك ولم أكن أدري أنك داخلي فهل هناك فرصة أخرى أمامي لكي أجاهد؟ فسمعته يقول لي: إن لك فرصاً كثيرة مادام في العمر بقية ولكن احذر أن يمضي عمرك يوماً بعد يوم وتنسى مرة أخرى. وأقول لك أيضاً أنه ستقف أمامك تجارب من عدو الخير لاتيأس ولاتمل من كثرة التجارب وتذكر دوماً أنني أحارب عنك وتأكد أني معك ما دمت تريدني. هيا قم الآن أروي هذه النبتة بدموعك ليفتح الله لك باب مراحمه.
فسجدت عند قدميه وقلت اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. وذهبت لكي أجاهد. ولكن عندما وقفت عند هذه النبتة لم أعرف ماذا أعمل لأني أجهل الفلاحة.
فقال لي: عليك أولاً أن تجد مصدراً لري هذه النبتة
فحاولت جاهداً باحثاً عن مصدر للمياه فلم أجد إلى أن تصبب عرقي وعندها بكيت لخوفي على هذه النبتة, نظرت واذ بالنبتة بدأت تتحرك لأنها ارتوت بحبات عرقي وقطرات دموعي. فصرخت فرحاً: ماذا أفعل بعد ذلك؟
قال: أوجد حارساً أميناً يحرسها ويكون لك مشيراً.
قلت: ومن هو هذا الأمين؟
واذ به يأتيني بأبي الروحي وقال: هذا هو المؤتمن إليه, فتقدمت وسجدت إليه قائلاً: ساعدني يا أبي لكي أفلح تلك الأرض.
فقال: يا بني تلزمك إقامة مصدات رياح لهذه النبتة لكي لا تقصفها رياح التجارب. فقلت: وما هي مصدات الرياح هذه
فقال: إنهم آباؤنا القديسون يا ولدي فهم يشفعون فينا لكي ننمو بنعمة الله.
فقلت: من أين آتي بهم لأني لا أعرف مكانهم؟ فأخذني من يدي وعرفني عليهم قائلاً لي: هؤلاء هم حارسونا والمتشفعون عنا أمام وجه الله هؤلاء هم الملائكة والقديسون الشهداء والمعترفون هؤلاء هم من يحملونا ويرشدونا وقت هبوب التجربة.
قلت: وبعد ذلك ماذا أفعل؟
قال: تضع حولها السماد لكي تتغذى.
قلت: وما هو هذا السماد؟
قال: هو المداومة على وسائط النعمة.
قلت: وبعد ذلك ماذا أفعل؟
قال: استمر على هذا والله يعينك ويسندك ولا تنسى الصلاة.
مرت الأيام وأكتمل العام وقد أصبحت النبتة الصغيرة شجرة كبيرة وأصبحت في طريقها لتكون حديقة جميلة تضم أشجاراً وأصنافاً مختلفة من الثمار يفرح بها الكرًام ولا يقتلعها كما كان يريد أولاً.
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....