في ليلة الرابع والعشرين من كانون الأول ، وفي إحدى البلدات ، كان الناس يسرعون لشراء ما يطيب لهم من الطعام والشراب استعداداً للاحتفال مساءً مع الأهل والأصدقاء والأحباب بسهرة عيد الميلاد ، بجانب الشجرة التي تتلألأ بالزينة والأضواء ، وفي غمرة جو ميلادي رقيق بجوار المدفأة المضطرمة التي تبدد ذلك البرد الكانوني المرعب ، حيث يفرح الأطفال والأهل والأصدقاء .
أسرع الناس ليتمكنوا من إعداد الأطعمة الفاخرة والأصناف المنوعة ، فما كادت خيوط النهار تتلاشى حتى غابت الحركة عن تلك البلدة الهادئة والشوارع إلا من بعض السيارات المسرعة بمن فيها إلى المنازل أو إلى أماكن السهر والاحتفال .
كان البرد مخيفاً جداً في الخارج ويكاد الدم يتجمد في العروق ...
في وقت متأخر من الليل كان هناك فقط رجل غريب عن البلدة يسير هائماً في شوارعها ، يلبس معطفاً رثاً وملابس قديمة لا تتناغم والموضة الحديثة ولا يقيه ذلك البرد القارس الذي ينخر العظام ..
غريب امره . إنه يقف امام كل باب ويقرع طويلاً ، وينتظر هل من مجيب .. ؟ لا احد فالجميع مشغولون بالضجة والموسيقا والغناء ولم يسمعوا لا صوتاً ولا جرساً ولا قرعاً على الأبواب .
يستمر بلا كلل ولا ملل ، من باب لآخر .. كمن يبحث ربما عن كسرة خبز او شربة ماء إذ يبدو ليس له ما يحتفل به ولا من يحتفل معهم في تلك الليلة ، وربما يبحث عن بعض الدفء ليتمكن من مواصلة بحثه الأبدي عن شيء ضال ليجده ..
مرت الساعات وانتصف الليل ولم يصغِ له احد ولم يفتح له احد ، نال منه الإعياء فسقط مرتمياً على أحد الأرصفة وكأن كل الحزن الذي في الدنيا قد انهمر عليه دفعة واحدة
اقترب منه رجل عجوز وامراته كانا يسيران في تلك اللحظة ليشتركا في الخدمة الإلهية في كنيسة البلدة ، التي صارت مأوى لكبار السن فقط ، رقّ قلبهما لهذا المتشرد كما اعتقدوا من منظره .. فاقتربا وسألاه :
' ماذا تفعل هنا في هذه الساعة من الليل ؟ أليس لديك عائلة ولا أصدقاء لتحتفل معهم ؟ '
رفع الغريب رأسه ونظر إليهما فشاهدا بريق عينيه يتلآلآ فيهما النور والدموع
عادا فسألا ' لماذا وحدك هنا ؟ اليس لديك بيت ؟ '
أجابهما بصوت أعاد الدفء والحرارة لجسديهما الهزيلين :
' هل تعلما بماذا الناس منشغلين اليوم ولم يسمع أحد منهم صوتي ؟؟؟ '
أجابا باستغراب ' نعم . منشغلون باحتفالاتهم بليلة الميلاد ، ميلاد الطفل يسوع . ألا تسمع الموسيقا والغناء والضجيج والصخب و...... ' وصمت العجوز ويبدو انه اختنق بغصة او أنه تذكر شيئاً ما ..
قال الغريب ' كل الناس منشغلة بمجيئي ، ولكنني أحتضر على الرصيف من شدة البرد ولا موضع لي بينهم ، في بيوتهم ولا في قلوبهم ، الإحتفالات جعلتهم ينسونني ههنا... '
سار العجوزان خلف الرجل الغريب وتابعا سيرهما نحو الكنيسة الصغيرة وفي الطريق التقوا ببعض الأشخاص القلائل الذين يسيرون قاصدين ذات المكان ، ساروا جميعاً بصمت يتساءلون عن سر هذا الرجل الغريب ومن يكون ..
عندما وصل إلى باب الكنيسة قرعت الأجراس معلنة ' اليوم ولد لكم مخلص هو المسيح الرب '
أخذ ذلك الرجل مكانه فوق المذبح المقدس ، فقد كان هو نفسه الكاهن وهو الذبيحة ، هو المُقرِّبُ والمقرَّب ، أخذ مما له ، بارك وكسر ، وناول الذين له، المحتفلين به ومعه، جسداً ودماً حقيقيين لحياة ابدية
وللوقت انفتحت اعينهم وعرفوه
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....