كنت عائدا من إذاعة لندن إلى بيتي في منطقة فنشلي التقيتها في الجادة الفرعية الهادئة فيفيان ملقاة على الرصيف فلم أتمالك نفسي إلا أن أنحني لأرفعها بيدي خشية أن تدوس عليها أقدام المارة , ولأنني أعشق الورد حملتها حتى الباب رقم 28 ودخلت بها المنزل الخالي من الأهل حيث كانت زوجتي وأولادي قد سبقوني إلى دمشق ريثما أنهي آخر علاقاتي بدنيا الاغتراب .
أنا وهي وحدنا الآن وأنا مفعم بالحيوية بينما يبدوعليها الذبول , وقبل أن أعد طعام العشاء وضعت تلك الوردة الحمراء في كوب من الماء على الطاولة وأخذت أتأمل حمرة وريقاتها وقد أخذت تنتشي بالماء فأتذكر وجنتي زوجتي الغائبة الحاضرة , وبعد تناول لقيمات المساء سمحت لنفسي أن أخاطبها : هيا يا أم المهند إلى غرفة النوم , نامت على منضدة بجانب سريري لأسلم عليها كل صباح ومساء وأغير لها ماء الكوب وهي تمدني بأريجها العطري , ودارت الأيام .....
لم تذبل تلك الوردة الحمراء على مرور الأيام بل ازدادت نضرة وحيوية وكانت المفاجأة أن نهاية جذعها بدأت تظهر له جذور ما لبثت أن استطالت وكأنها تقول لي : إن الحب يمنح الحياة والكراهية تفضي إلى الموت .
نقلتها إلى أصيص صغير واستمرت بيننا همسات حب , وما هي إلا أيام بدأت تظهر على جذعها فروع ثم ألقت وريقاتها القديمة لتمنحني عدة ورود , لقد كان بيننا تفاهمات شعورية لا تكتب بأي أبجدية , لغة حب بين مخلوق ينمو ويتحرك ومخلوق ينمو ولا يتحرك , فكل ما في الوجود استمد حياته من محبة الخالق ليسري الحب بين جميع المخلوقات .
انتهت أموري في لندن وحزمت حقائب العودة إلى الوطن وبصحبتي ذلك الأصيص وزرعت تلك الوردة الحمراء في حديقة البناء مقابل شرفتي ليستمر الغزل بين وجنتي زوجتي وأريجها الفواح .
ميسر سهيل
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....