من الواضح أن كل من يكتب للأطفال لابد أن يتوخى مجموعة من الأهداف لإيصالها إلى الطفل المتلقي.
وبطبيعة الحال فإن هذه الأهداف تختلف من شخص لآخر بحسب قناعاته وأهدافه، ولكن -وبصورة عامة- هناك أهداف عامة يحرص كاتب أدب الأطفال على إيصالها للأطفال، منها: أهداف عقدية، وتعليمية، وترفيهية، وكل هذه الأهداف- وهناك غيرها- مهمة لكل طفل في واقع حياته صغيراً أو عندما يكبر لأن ما يتعلمه في صغره يستمر معه -غالباً- حتى آخر عمره.
د. محمد علي الهرفي
-الدمام-
إن أدب الطفل -يجب أن ينطلق من عقيدته وأن يعبر عنها، فالعقيدة الإسلامية لا تصادم العقل ولا الحقائق العلمية، ولهذا كان من هدي الرسول الكريم أن تكون كلمة التوحيد هي أول كلمة يسمعها الطفل منذ ولادته، يقول الإمام الغزالي: «اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه ليحفظه حفظاً لايزال ينكشف له معناه في كبره شيئاً فشيئاً».
إن الأناشيد التي تتحدث عن محاسن الإسلام وفضائل الأخلاق، وعظمة الخالق -سبحانه- تزيد الطفل حباً في دينه بكل معطياته الفاضلة وتساعده في المستقبل على المساعدة في تكوين مجتمع فاضل مع أقرانه الذين تشربوا حب الإسلام في طفولتهم.
ومن المؤكد أن تبسيط قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي تجعل الطفل الذي يقرأ هذه القصص يرتبط بأنبياء الله كلهم، كما يرتبط ويفتخر بتاريخه العريق الذي قدم حضارة راقية لأبنائه كما قدمها في الوقت نفسه للعالم كله الذي استفاد من هذه الحضارة مدة طويلة من الزمن ثم طورها بعد ذلك حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم.
إن حب الرسول يدفع الأطفال إلى الاقتداء بسيرته الكريمة، فيتعلم من هذه السيرة كيف يتعامل مع والديه وإخوانه، وكيف يتعامل -لاحقاً مع زوجته وأبنائه- وكيف يكون وفياً لوطنه وكل منجزاته.
يقول الغزالي في هذا المعنى: ويُرْسَلُ -أي طفل- إلى المكتب مبكراً فيتعلم القرآن وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار، فيغرس في نفسه حب الصالحين».
وغني عن القول إن هذه المواد يجب أن تقدم للطفل بطريقة تتناسب مع سنه كتاباً وإخراجاً لكي يكون قادراً على الاستفادة منها.
إن الهدف التعليمي يجب أن يكون مصاحباً لأي نوع من الكتابة للأطفال، فعندما يقرأ الطفل بعض سور القرآن الكريم يجب أن يتعلم المعنى العام لهذه السور، ومثل ذلك عندما يقرأ قصص الأنبياء أو سواها يفضل تعليمه معنى هذه القصص وأهدافها التعليمية، وفهم معاني الكلمات يجب أن يكون حاضراً عند كتّاب أدب الأطفال مع مراعاة قاموس الطفل المصاحب لعمره لكي تكون لغته محببة لنفسه وينطلق من هذه المعرفة اللغوية إلى فهم كل -أو معظم- الأشياء التي تحيط به ويتعامل معها بصورة إيجابية، يقول الأستاذ محمد بريغش «وأدب الطفل يعين على اكتشاف الهوايات والحصول على المهارات الجديدة، ويعمل على تنمية الاهتمامات الشخصية عند الطفل».
ويمكن الإشارة هنا إلى تأثير بعض الأفلام المدبلجة أو التي تكتب أساساً للأطفال بلغة عربية فصحى إذ إن هذه الأفلام ساعدت الأطفال كثيراً على التحدث بلغتهم بصورة سليمة، وحببت إليهم هذه اللغة، وساعدتهم على استخدامها لاحقاً في كتابتهم وحديثهم، والأمل أن يهتم القادرون على تعميم هذا اللون من الأفلام لتسهم مع غيرها في ربط الطفل العربي بلغته وقيمه ودينه.
والهدف الترفيهي مهم جداً للأطفال. ولكن هذا الهدف ينبغي ألا يصادم الأهداف الأخرى بل ينبغي أن ينسجم معها لتكون كل الأهداف في اتجاه واحد لكي لا يضطرب الطفل أمام أهداف متناقضة على ما نرى اليوم في كثير مما يقدم للأطفال.
ولعلي أشير هنا -وأنا أتحدث عن أدب الأطفال- إلى أهمية التلفاز في التأثير على الأطفال، فهم يشاهدونه ساعات طويلة كل يوم -بحسب إحصائيات متعددة- ومعروف أن كثيراً مما يعرض في القنوات الفضائية لا يصلح للأطفال وهنا مكمن الخطورة نظراً لسرعة تأثر الطفل بما يشاهده، وربما إذا قام الوالدان بدورهما التوجيهي لأطفالهما استطاعا تخفيف الآثار العكسية على أطفالهما وربما استطاعا تحويلها إلى آثار إيجابية.
يقول الدكتور عبدالرحمن لطفي: «ففي خضم الفضائيات والأقمار المفتوحة والمشفرة وذلك الكم الهائل من المحطات الفضائية والبرامج نستطيع أن نجزم بأنه لا يمكن أن يعيش الإنسان دون تلفزيون، ولكن نحتاج إلى شيء من التقنين والتعقل لمواجهة التحدي».
ومن المؤكد أن جهاز الإنترنت أكثر ضرراً من التلفاز لأن الرقابة على ما يعرض فيه شبه معدومة، وهناك إحصائيات تقول إن نسبة ٪87 من الأطفال ذوي الخمسة أعوام يستخدمون جهاز الكمبيوتر، وتقل هذه النسبة إلى ٪84 لمن هم في سن السابعة.
إن معظم الأطفال الذين يستخدمون الكمبيوتر سيجدون من السهولة بمكان أن يتجولوا في آلاف المواقع عبر الإنترنت، ولنا أن نتخيل حجم التأثير الذي سيطالهم وهم في سن مبكرة يصعب عليهم معرفة الطيب من السيئ.
أعرف أن من الصعب أن نترك الأطفال دون أن نقدم لهم مجموعة من الأشياء النافعة، ولكني أعرف أيضاً أن مراقبتنا لكل شيء يريدونه أو يقرؤونه أمر في غاية الصعوبة ولكن هذه الثروة التي تحدد مستقبل بلادنا تحتاج إلى تضحيات جسيمة علينا أن نؤديها وبكل محبة.
عن مجلة (المجلة العربية) السعودية
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....