حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
همسات |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
هناء مقدسي |
2010-08-31 |
التنور ..... ومضة من الذكريات المحببة |
 |
الخبز والملح رمز للوفاء, ودليل على عقد اجتماعي من نوع فريد بين الناس يرمز للتكافل الاجتماعي والانتماء للوطن والارتباط بالأهل والأقارب. وقد تعلمنا ونحن صغار أن من يجد قطعة خبز على الأرض يأخذها ويقبلها ويضعها في مكان عزيز فهي نعمة من الله, والنعمة لابد وأن تقدس, وعندما يخرج الإنسان للعمل يقال إنه يجري وراء لقمة الخبز.
إن الخبز والملح هما آخر حصون التماسك الاجتماعي وكلمة السر النادرة في استقرار أي مجتمع على مدى آلاف السنين, وإن هذا المعنى العميق للخبز رافقه أشكال اجتماعية محببة دعمت أواصر التواصل الاجتماعي الذي كدنا نفقده في هذه الأيام.
من حرارة التنور وأنا واقفة أمامه بجانب أم عماد التي حافظت على الشكل التقليدي لصنع الخبز تدفق فيض من المشاعر الحارة والذكريات المحببة.
الجار للجار
لايتردد الجيران في تقديم المساعدة إذا احتاج أحدهم إليها وحتى إذا لم يطلبها.
أم عماد مازالت تحتفظ بالتنور منذ 40 سنة لتخبز عليه أحياناً, وفي حديث معها قالت: كانت جاراتي يقصدن بيتي من أجل التنور وأقدم المساعدة لهن, وهن يقدمن المساعدة لي,ولأي واحدة من الجارات إن كانت في وعكة صحية أو أي أمر طارئ فتأتي بعض الجارات ويقمن بعملية الخبز لها, أما اليوم, هل مازال الجيران يتمتعون بهذه الصفة الجميلة, أم أصبح كل منهم مشغول بنفسه؟ وهل يقدر الرغيف الجاهز أن يعيد تلك الحالة الاجتماعية؟ تتساءل أم عماد وهي سعيدة لأنها احتفظت بالتنور إلى يومنا هذا .
دفء نادر
تنهدت أم فهد وهي تتذكر والدتها ـ رحمها الله ـ وكيف كانت تساعدها في العجن والخبز تقول:
أمي كانت سعيدة بلمّة الجارات في بيتها من أجل الخبز, وتمضي وقتاً معهن تعتبره من أجمل الأوقات في الصباح الباكر وما زال صدى كلمات أمي يتردد في ذاكرتي وهي تودعهن بقولها:
( فيه البركة) ودفء نادر يغمرني وأنا أتذكر تلك الحكايات عن أمي والتنور وما زلت أتذكر تلك الرائحة الزكية حتى الآن لأنها محفورة بعمق في الوجدان.
طعم في الذاكرة
يبدو أن لطعم هذا الخبز ورائحته ذكريات جميلة لاتغيب عن ذاكرة أبي كامل, حتى أنه جعل الخبز تقليداً مع أصدقائه, يعجنون ويخبزون في سهراتهم ليتناولوه إلى جانب الشواء, وليصبح طعامهم أشهى فما الذي حدا بهم ليسلكوا مثل هذا السلوك هل هي الرغبة في طعام شهي فقط أم أن لهم أسبابهم يقول أبو كامل:
إن الطعام ليس مجرد رغبة بالأكل بل هو أيضاً مرتبط بثقافة الفرد وبتراث تربى عليه, وكل من عاش في زمن التنور لن يغيب عن ذهنه بكل تأكيد تلك الصورة الجميلة لوالدته, وهي تخبز على التنور, وهو ينتظر أن يتناول الرغيف من يدها, وقد يقوم بمساعدتها, وهذه الصورة تحتفر في الذاكرة ولاتمحى.
السيد شادي يقول: خبز التنور يعيد إلى ذاكرتي صوراً جميلة من الماضي وعندما نذهب في نزهة نجعل طريقنا إلى إحدى القرى الجبلية, وعندها لابد أن يكون لنا محطة عند إحدى التنانير المتناثرة على طول الطريق, نأكل خبزها الشهي, ونحمل بعضاً منه معنا, وهكذا تصبح النزهة أجمل, وكما يقول المثل الدارج (مابتعرف خيره حتى تجرب غيره) يمكن أن نقول أيضاً شتان مابين خبز هذه الأيام وخبز التنور.
يصلنا رغيفنا اليوم دون عناء, ومكيّساً وجاهزاً, فهل يستطيع هذا الرغيف أن يعوضنا عن رغيف الماضي, أم ينبغي أن نتمنى على القمر أن ينزل خبز تنور ويعيد ذلك التماسك الاجتماعي كما تمنى الشاعر مخول قاصوف في قصيدته المحكية قائلاً:
ريت القمر
ينزل خبز تنور
عَ بيوتنا
عَ حقولنا ويدور!
مأخوذ عن جريدة الفداء صفحة المجتمع
الاثنين: 30-8-2010
|
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|