آه يا وحدتي كم صرت صاخبة ….. ويا قلبي أنت اليوم الأمير
ما لقلبي للحب يهفو ؟…….. كما تهفو إلى الأغصان الطيور
فيا سلافة الخمر فيك بعض جوى … لقلب صار .. للحب أسير
غنت هذه الأبيات لتقول لناقد التطرف بأشعارها حتى أنت يا بروتس ، أين التطرف بهذه الكلمات ؟؟
لم يقوى دخان سجائرها أن يحجب رؤية محاورها للدموع التي تملأ مآقي عيون الضعفاء المصادرة حريتهم بظلم التقاليد .
كان الحوار هادئا بين رأيين متفقين ومختلفين بآن ، متفقين بتشخيص الواقع الذي يحكمه انحياز التقاليد إلى وصاية الذكور على النساء ، ومختلفين بطرق العمل لتحرير الواقع من الانحياز .
جففت عيناها المبللة بالدموع وقالت : الحق والباطل نقيضان لا يلتقيان ، والمصالحة بينهما تعني الإقرار بشرعية الباطل.
قال محاورها : غياب نصف الحقيقة أقل شرّاً من غيابها كلها .
أجابت : تغيب الحقيقة إلى حين لكن حياتها خالدة لا تموت ، ولنا بخلود تساؤل المعري عن الصحيح في ضجة اللاذقية خير مثال وهو مجرد سؤال ، ألا ترى إدانتي بتطرف أشعاري إدانة ظالمة ؟! وهل ترى فيها سوى التعبير عن مشاعر الضعفاء المحرومين ؟؟ ألا توافقني أن الزمن والتقاليد تضافروا على ظلم المرأة بتحميلها رسوم النكبات التي لا رأيٌ لها بها ولا سببٌ ؟! وتتابع متسائلة : ترى من هو أحوج للمساعدة من امرأةٍ فقدت قرين صباها وهي في ريعان الشباب ؟!! ثمّ ما هي الأخطاء التي اقترفتها أو الذنوب التي ارتكبتها لتحكمها التقاليد بالسجن مدى الحياة بين أربع جدران ، ويتحوّل منزلها زنزانة لا يجوز الخروج منها إلا بالكفن أو بأثواب الحداد ؟!!
لقد بات السواد من العلامات الفارقة لهوية الأرملة إلى حين رحيلها بجلباب فاقع البياض !!، والويل والثبور لمن ترتكب عظائم الأمور بالخروج من منزلها بغير اللون الأسود من الألوان ، إنه الخروج الذي يدان بالعيب وتلاحقه الظنون وتجعل من مناخ المجتمع على الأرملة جحيما لا يطاق !!، وليس لها ملاذاً تلوذ إليه سوى الزنزانة وثوب الحداد .
وتابعت تجيب على تساؤلاتها قائلة : إن الاضطهاد يصادر الأحلام الجميلة للمظلومين ، ويؤول بهم إلى العيش بخيال مضطربٍ تلاحقه كوابيس الخوف مما يقوله الناس ، ليصل الخوف بمعظمهم إلى الانزواء والاكتئاب ، فكيف لحبيسة الثوب الأسود بين أربع جدران أن تتحرر من شعور الظلم والحرمان ، والحياة خارج الزنزانة تأسر الأذن والعين بأنغام الموسيقى وجمال الألوان ؟!!
توقفت عن الكلام وتأملت ناقد أشعارها بابتسامة ساخرة فيها الأسى والاستغراب وقالت : أستميح شعراء القافية عذراً لعدم تقيدي في نواظمها .
لا يعوّض الدفلة عن مرار مذاقها ……. زهو زهورها في عيون الناظر .
لا يشعر المرّ إلا ّ من تذوّق طعمه ……. ولا يخدعنك ما يُُرى في المظاهر .
تزهو الحياة باكتمال شروطها ……. والبؤس يسكن في نقيص المصائر
وأنا في سجني والملل من تقليب صفحات التلفاز يكاد يقتلني ، كانت حشود الناس تملأ الشوارع والساحات احتفالا بأفراح العيد ، قلت لأذهب إلى أترابي من أصحاب القلوب المكلومة علّنا نواسي بعضنا البعض .
ويح قلبي ماذا رأيت ؟ ليتك معي ورأيتهم في يوم الفرح المقدس !! رأيت فيهم متنرفزة تذرف الدموع ، والثانية تمسح الغبار عن صورة زوجها الفقيد ، والثالثة تكنس منزلها ، وتلك التي تندب حظها بصوت ٍ رهيف ٍ ونغمة ٍ حزينة !! ، كل من رأيتهم من هذه الشريحة كانوا في عالم آخر لا تعنيهم المناسبة بشيء !!، وتابعت : لقد حُكم على الأرملة أن تعيش بقية عمرها بين الزنزانة والاتهام متسائلة ترى : هل أفراد هذه الشريحة لا يرغبون المشاركة بأفراح المناسبات ؟!!
وتعود لتجيب على تساؤلها قائلة المصيبة واحدة ومتعاظمة أكانت الإجابة نعم أو لا ، فإن كنّ يرغبن المشاركة ولا يشتركن خوفاً من الإدانة بعدم الوفاء فتلك مصيبة ، وإن كان تموّت الحواس عندهم أفرغهم من الشعور بالمناسبات أو أفقدهم رغبة المشاركة فالمصيبة أعظم ، وأنا لا ستغرب ذلك ، فمن يقبل العيش تحت جور الظالمين لا يختلف مستوى عيشه عن مستوى عيش الحيوانات الداجنة ولابدّ وأن يفقد الكثير من الحواس .
لاشك أن الكثير من الأقوياء يتعمدون تغييب الحقائق وإدانة كل من يدافع عنها وعن مشاعر المحرومين ، إنهم ليسوا متحررين من الحنين إلى عهود العبودية التي تبقي المرأة سلعة من سلع المتاع .
أما حان الوقت لمواجهة هؤلاء وكشف زيفهم وتزويرهم للحقائق وإزالة القناع عن وجوه الملثمين ؟!
أجاب محاورها لا تحمّلي الواقع أكثر مما يحتمل لئلا تفشلين .
أجابت عندما ثار نزار القباني على التقاليد وتصدّى لها ، اتهمه الدجالون بالماجن وكفّروه وهدروا دمه ، لكنهم فشلوا وزالوا واندثروا ، وبقي نزار خالدا بذاكرة الناس خلود الحقيقة التي لا تموت .
أمام الحقيقة : يسود الصمت ويتوقف الكلام وينتهي الحوار .
عن موقع الفنان التشكيلي غيث العبدالله
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....