من حواره مع الريح أو من سرقته لزرقة البحر؟ أم نبدأ من عند قصيدته سحابة هذه المرأة التي علمته ذات يوم انتظار المطر؟ أو لعل الشاعر لا يريد لنا أن نمشي مع قصائده كما يمشي القطار مع سكته، ربما يرغب برؤيتنا نقرؤه من موقع الذي ينتظر المطر؟ أو الذي ينتظر غيم المطر؟.
توفيق أحمد في أعماله الشعرية الصادرة عن دار الينابيع يحاور الضوء الذي يكمن للبرد والمستحيلات، يناقش الحرية، يسألها: كم من الآلام تحتاج ؟هو شاعر يسكن في الزوبعة، عندما قرأ سقراط وجد نفسه مدفوعاً لتناول السم، هكذا هم الشعراء الذين يبحثون عن مجد الحكمة والصدق في عالم لم يعد يقدر الصدق والحكمة، عالم مملوء بالخواء والفراغ والمنافقين .
في قصائده فسحة لتنفس هواء نقي، إنه هواء اللغة وهي تلبس رداء الشعر ومعانيه الصاخبة، الشعر دعوة للصخب مثلما هو دعوة لحب العالم، وهل هناك من هو أكثر من الشاعر محبة للعالم؟
توفيق أحمد يريد أن يعقد حواراً بين الطواغيت والمجانين, بين الأعواد والمشانق، يريد أن يعمر العالم بالحب والغيم يقول في ومضة له بعنوان عنق الزجاجة:
(في كل مرة أكتشف أن عنق الزجاجة-هو الممر الوحيد الذي أستطيع الخروج منه-
دون ان أغير بحة صوتي وربطه).
يذكر الناقد التونسي د. حاتم الفطناسي: (في شعر توفيق أحمد وعي حاد بالانتماء واحتفاء بالرموزدون تكلف أو إسقاط أو اعتساف. يتخلق الرمز في كون النص مستلهماً للوجود الجديد، وجوده داخل النص لغوياً في حركة من النبذ والجذب عصية آسرة تجعله ينهض بوظائف جمالية وإيحائية ومعرفية وثقافية).
أما الناقد المصري د. محمود الضبع فيقول عن شعره: (ليست القصيدة عند توفيق أحمد رفاهاً، ولكنها تجريب مستمر في أبنية الشعر وغاياته، ووسيلة للكشف عن مكنونات النفس البشرية متمثلة في الإنسان المعاصر المرتبط بإرثه العربي وواقعه الآني ووعيه بالمستقبل، يحكمه في ذلك جميعه القلق المستمر والتوتر المؤسس لشعرية تعيد إلينا مشاعرنا التائهة).
هكذا هو الشعر مساحة لترجمة البوح عبر اللغة، وفرصة لتنشد اللغة حريتها واستراحتها الأكيدة بين يدي الشاعر، هكذا هو الشعر تتويج لأقصى ما يريده الشعور من الكلمات وتوفيق أحمد في أعماله الشعرية هذه التي تضمنت كل ما نشره حتى الآن رسم بالكلمات ما يريده شعوره تجاه عالم مليء بالتفاصيل والخيبات والجمال المخبوء ,يقول في قصيدته حب: (أحبكم جميعاً- أنتم تعرفون ذلك جيداً- وتذكرون أنني أعانقكم واحداً واحداً صباح كل عيد- كلما فقدت ضلعاً جديداً من أضلاعي).
في كتابه هواجس الشعر يتكلم ممدوح عدوان عن أزمة الشعر ويخلص إلى نتيجة بأن قراء الشعر كانوا دائماً قلة الشعراء دائماً قلة.
وتوفيق أحمد من القلة الذي يمزج حروفه بضياء الحياة، قريب جداً من نبض اللغة وهي تبحث عن فسحتها وحريتها، عاشق يرتب الحروف على هيئة قصيدة ويقنع القصيدة لتتحمل كل هذا الوجع والهم، ومن اللغة إلى القصيدة مسافة يقطعها الشاعر عبر القلق.
ومن أمتع ما كتب: (قرأت سقراط- لكي أكتشف شيئاً من الحكمة- فوجدت نفسي مدفوعاً- لتناول السم- وقرأت المتنبي فقررت الرحيل إلى دير العاقول).
أعمال توفيق أحمد الشعرية دعوة لاحترام الحياة واحترام الشعر عبر البحث عن الجمال.
مصطفى علوش
دمشق- صحيفة تشرين
الاثنين 28 كانون الأول 2009
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....