هل تعود البشرية إلى زمن ماقبل التدوين ! أفول نجم القراءة الورقية... أم القراءة عامة؟
عن جريدة الفداء الحموية
ثقافة
الأربعاء: 23-6-2010
قد يعتقد بعضهم أن زمن القراءة قد ولّى وأصبح من مخلّفات القرون الماضية،وأن عصره الذهبي قد انتهى في منتصف القرن العشرين، ويتصور بعضهم أن الأمية والإعلام وخصوصاً المرئي والمسموع قد تآمرا على القراءة، ويأتي ارتفاع أسعار الكتب ليزيد من صعوبةالأمر حيث يجد المواطن نفسه في مواجهة غلاء كل شيء فيقوم بجدولة الأولويات لتصبح الثقافة ترفاً لايجرؤ حتى على الحلم به.
إضافةً إلى أن القراءة تعني القدرة على امتلاك مساحة من فترات الصمت، وهذا الصمت مستحيلٌ في مدن الصخب والضجيج، بل إن البيوت الحديثة أصبحت تخلو حتى من مكان يمكن أن يصلح لوضع الكتب فيه.
واقع القراءة... سؤال وجهته إلى عدد من الأدباء والكتّاب في حماة فكان لهم آراؤهم:
يُهدى ولايقرأ!
القاص نزار نجار:
- هذا السؤال حرج ودقيق وهو في الوقت نفسه يبعث في كل كاتب الأسى ويقلق كلّ خاطر، فالكتاب الورقي صار اليوم على الهامش صار مغيباً، صار بعيداً عن اهتمام القرّاء، وأين القرّاء؟
كل كاتب يبحث عن قارئ، والكتاب يُهدى ولايُقرأ!!، الكتاب الورقي «مظلوم» ويعاني الإجحاف واللامبالاة،ترى هل يمكن أن نتذكر خير جليس؟
وهل هو اليوم فعلاً خير جليس؟ هكذا كنّا نردد ومازلنا نردد، ولكن من يصغي إلى هذا الكلام؟ أضغاث أحلام، ومانحن بتفسير الأحلام بعالمين!!
ربما هناك فسحة من الأمل، هناك بوابة تفتح من الرجاء والتفاؤل أن يستعيد الكتاب مكانته والمكان الطبيعي في نفوسنا «نحن الكتّاب»
بين الطلاب وناهلي العلم والباحثين عن أفق الكلمات الجميلة والأحرف المضيئة ترى هل ننجح اليوم في أن نعيد له موقعه المناسب؟ وهل من المعقول أن نلفت الانتباه إلى ماينشر أو نشد إليه الأنظار مع مزاحمة الحاسوب والفضائيات التي تتناسل كل ساعة؟!
سأتفاءل وأقول: الكتاب الورقي في زحمة مشكلات العصر ومستحدثاته واكتشافاته سيستعيد بريقه ويأخذ مكانته بشرط أن يكون جذاباً مبتكراً.
اصطحاب الكتاب ليس من ثقافتنا
الأديب محفوظ أيوب:
يمكن أن نجري تعديلاً في صيغة السؤال ونجعله محصوراً بفترة زمنية محددة، فنقول مثلاً: هل قلَّ الاهتمام بالكتاب في الآونة الأخيرة بالرجوع عشرين سنة إلى الوراء؟
مدلولات كثيرة تحمل في طياتها بعض المؤشرات عن تراجع في القراءة.
كنت أطبع 3000 نسخة لأحد مؤلفاتي والآن لاتتجاوز 500 نسخة، وأحياناً 200 نسخة، أما بالنسبة للأسباب فالحديث يطول، ويمكن القول إن الوسائل السمعية والبصرية لعبت دوراً كبيراً في التقليل من القرّاء الذين هم قلائل، فأغلب الناس يعتمد على ثقافة شفهية، أما عادة اصطحاب الكتاب في القطار -الحديقة- الطائرة... فليست من ثقافتنا، وهذا يقودنا أيضاً إلى الحديث عن الأمية الثقافية التي باتت متفشية بالمجتمع بشكل كبير رغم الشهادات العلمية المتزايدة.
سئل مرة أحمد زويل صاحب مكتبة «مدبولي» وهي أكبر مكتبة في الوطن العربي:
- ماهي أكثر الكتب مبيعاً عندكم أجاب: كتب السحر والشعوذة والأبراج والطبخ.
الشاعر معاوية كوجان:
- يؤسفني أن أجيب بنعم ولاأستطيع أن أضفي على هذه الإشكالية بعداً تجميلياً، فأقول لايزال للكتاب تلك الهالة من الشغف والاهتمام... جمهورنا اليوم جمهور متلقّ، والتلقي عنده لايكاد يتجاوز الوسائل الإعلامية العصرية التي يتربع في صدارتها التلفاز.
الكتاب اليوم حبيس المكتبات والجمهور الذي يشتري الكتب هو شريحة ضئيلة «برأيي» في المجتمع، إضافة إلى أن ظهور الشابكة «الانترنت» أدى إلى تحويل ثقافتنا إلى معارف معلبة وضحلة واستهلاكية. والجدير بالتنويه أن ماتعبأ به هذه النافذة من معلومات يكون غالباً غير موثّق ولايذكر المصدر الذي أخرجت منه، وبالتالي لايجني قاصده إلا القشور..
إن الكتاب هو المنهل الأصيل والحقيقي الذي لايمكن التزود بالمعرفة إلا عن طريقه.
الكتاب لايموت
الشاعر عبد الوهاب الشيخ خليل:
الكتاب لايموت ولكن يخبو.... الحياة أشبه بالنار وهي تخبو وتزكو، وقد ورد في القرآن الكريم: «ونفسٍ وماسواها، فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دساها».
المجتمع - مجموعة أفراد- قد يخبو تحت تأثير مؤثرات حسية مباشرة، وعندما تكون المؤثرات مباشرة، وسطحية، فتدريجياً يصبح ميله سطحياً ومباشراً فيعاف العمق والدر في الأعماق.
وهل ننسى قول المتنبي عن خير جليس؟
أعزّ مكانٍ في الورى سرج سابحٍ
وخير جليس في الأنام كتاب
ومايؤخذ على الإعلام المرئي التلاعب في فن الإخراج وإيصال الأفكار من خلال الصورة، والابتعاد عن الفكرة وحتى الإنسان يخرجونه كما يريدون، يخرجونه كسلعة، وهذا يفقد الإنسان جماليته وروحه.
كالدرج بالنسبة للبناء
الباحث خليل عمران المنصور:
- الكتاب الورقي كالدرج بالنسبة للبناء لايمكن الاستغناء عنه حتى بوجود المصعد الحديث.
نحن بحاجة إلى مايدعم الكتابة الورقية وينميها وإلى مؤسسات داعمة للكتاب وإخراجه بصورة ملائمة لاصطحابه في أي مكان.
نعم لقد أفل نجم الكتاب وقل عدد القرّاء بشكلٍ لم يعد يلاقي روجاً إلا بين الدارسين والمفكرين... وبات الكتاب المخطوط اليوم هو الذي يطبع 1000نسخة.
نعم تحول الجمهور إلى ظاهرة صوتية يحب السمع ولايحب القراءة، وحتى عندما يقرر أن يستخدم عينيه فإن هذا الاستخدام يتم من أجل المشاهدة والرؤية أكثر منه من أجل القراءة.
ذلك أن القراءة عملية متعبة تقوم معها المخيلة بإعادة خلق ماهو مكتوب، تمنح الأحرف الحياة لهذه الخطوط التي ربما كانت ميتة فتتحول إلى تجارب حية.
فالوسائل السمعية والبصرية يستسهلها الجمهور أكثر وهي لاتعطي ثقافة حقيقية إنما أجزاء وقشور.
تعقيب المحررة:
والآن مامعنى هذا كلّه؟
هل معناه أن هناك أزمة قرّاء?
إن البيوت الحديثة تغطي جدرانها خزائن الإسطوانات ورفوف أشرطة التسجيل في المكان نفسه الذي كان من المفروض أن توجد فيه الكتب أو استعاضت عن كل هذا بشبكة الإنترنيت.
يقول الكاتب يوسف العقيد في يومياته التي كان يكتبها في مجلة «المستقبل» التي كانت تصدر في باريس، تحت عنوان: «من أوراق النيل»!
«... إننا ندخل إلى عصر آخر يمكن أن يكون فيه نوع من التعامل الشفهي مع الأدب والكلمة المكتوبة، أي إننا ندخل إلى زمان آخر مغاير ومختلف، وعلى الكاتب أن يسجل قصته على شريط أو اسطوانة بصوته، أو أن يقف وسط الناس لكي يقول ماعنده، وهي نفسها الصورة التي كانت موجودة قبل اختراع المطبعة، هل تعود البشرية إلى زمن ماقبل التدوين؟!
إنها أسئلة حائرة لابد لنا من مواجهتها نحن الذين ننتج الحرف المكتوب قبل أن ينصرف عنا العدد الضئيل والباقي من القرّاء. فما نكتبه لاقيمة له مالم يجد من يقرؤه..».
فهل الإنترنيت حلَّ هذه الأحجية اليوم؟
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....