أدب الأطفال بين الواقع والطموح
2-2-2010 العروبة
من ينعم النظر في معظم مايكتب وينشر من نصوص أدبية موجهة إلى الأطفال ، يلاحظ دون عناء ما أن هذه النصوص تواجه مشكلة على درجة من الأهمية تكمن في عدم إدراك من يكتب هذه النصوص لأهم خصائص الطفل النفسية ، ومعرفة درجة وعيه ، وتجلياته الخاصة به ، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تمييز
الحدود الفاصلة بين المراحل العمرية للطفل ، فترى نصوصاً موجهة لمن هم دون سن الخامسة ، تجدها لاعلاقة لها بهذا العمر للطفل ، وهي تصلح لكل المراحل العمرية باستثناء هذا العمر ، وفي المقابل تقرأ نصوصاً لمن هم فوق العاشرة ، فتشعر أنها كتبت لسن أكبر 0
وإن عدم معرفة الحدود الفاصلة بين كل مرحلة عمرية للأطفال غالباً مايفرز نصوصاً تشوش عقل الطفل وتجعله يضيع في متاهات أسلوبها ، ومغالطات لغتها البعيدة كل البعد عن لغة الطفل التي يستطيع أن يتلاءم معها في كل مرحلة عمرية يمر بها 0
كما نلاحظ غياب الخطة الإبداعية المتناغمة بين الكاتب والطفل ، بحيث نرى كاتب أطفال يكتب للأطفال ، وهو بعيد كل البعد عن الطفولة واحتياجاتها المعرفية والمعلوماتية ، وهذا الغياب غالباً مايؤدي إلى التفريط بمنظومة القيم التي لابد أن يتوفر شيء منها في أي نص يكتب للأطفال ، لأنه ومن خلال توظيف مثل هذه القيم من الممكن أن تسهم في تقديم مايحتاجون إليه في حياتهم ، كما تضيف إلى أفكارهم معلومات جديدة لم يتلقوها في تربيتهم المنزلية أو المدرسية 0
في الوقت التي تساعد الأطفال على فهم الحياة والتأقلم معها ، وهذا مايفرض على كل من يكتب للأطفال أن يضع في ذهنه مثل هذه القضايا التي تتعلق بالطفل ، وألا يمارس ذلك وهو بعيد عنهم ، وعن حاجاتهم واحتياجاتهم الأساسية ، ويكتفي بالظن الواهم أنه كاتب حاذق ومختص بهذا الجنس الأدبي دون سواه 0
وحتى يحقق ذلك عليه أن يتعمق في دراسة شخصية الطفل ، وطرق تفكيره ، وحجم مدركاته العقلية ، دون أن يلغي طفولته ، لأنها وحدها الكفيلة بأن تمده ، ومن خلال تجارب طفولته ، سواء أكانت سعيدة أم تعيسة بالموضوعات الطفلية التي يحبها الأطفال ، ويقبلون على قراءتها دون رادع خارجي من أب أو أم أو مربية0
من هذا المنطلق نجح الأدباء المربون الذين عاشوا مع الأطفال واصطحبوهم في مقاعد الدراسة في كتابة نصوص طفلية كانت ألصق بالطفل والطفولة ، بينما أخفق كثير منهم ممن ليس له علاقة قريبة بالأطفال الذين تتسع دوائر احتياجاتهم المعرفية إلى خارج البيت والمدرسة وربما أبعد من التربية المدرسية الكلاسيكية ، حيث لايمكن القول : إن الأديب الأب الذي يعيش مع طفل أو أكثر يكون كافياً لأن يدّعي أنه كاتب أطفال مختص بالطفولة ، وكذلك الذي يكتب للأطفال في غرفة مغلقة ، ويرمي الأطفال بكتاباته الطفولية التي لا أساس لها سوى أسماء أبطال القصص والقصائد والمسرحيات الطفولية إن الطفولة هي ذلك العالم المتسع الآفاق الذي نراه في كل مكان ، نراه في البيت والشارع والمدرسة ، وملعب كرة القدم ، نراه في المدارس النموذجية الخاصة ، كما نراه في ماسحي الأحذية الصغار وبائعي اليانصيب وأكياس النايلون والمحارم الورقية، نراه في الأحياء الغنية ، وفي الحارات الشعبية الفقيرة 0
هذا هو عالم الطفولة السعيدة وغير السعيدة ، والكاتب الحاذق هو الذي ينجح في سبر عوالم الطفولة المتناقضة في الواقع ، ويتعرف على معاناتها ، ويدرك احتياجاتها ويحدد أسباب نجاحها أو فشلها وأسباب سعادتها أو تعاستها ، فإنها تشكل بمظاهرها السلبية والإيجابية ، المورد الأساس ، والمنهل الغزير لموارد كاتب الأطفال الناجح 0
وإذا كانت الكتابة الإبداعية بأجناسها المختلفة ترتبط بالمرجعية الثقافية التي يملكها المبدع ، فإن الكاتب الذي يكتب للأطفال لاتكفيه هذه المرجعية وحدها ، بل لابد من رفدها بالخبرة التربوية ، والإطلاع الواسع على علم نفس الطفل ، وبالتالي أن يعرف الحدود الفاصلة بين المراحل العمرية للطفل والتي تبدأ برياض الأطفال وتنتهي بالأطفال اليافعين ، والجدير بالذكر أن هذه المراحل ، هي من أهم المراحل التي ترسخ عادة القراءة وتعززها ، ولذلك كان من أخطر الكتابة للأطفال أن نقدم لهم معلومات تحمل المتناقضات البعيدة عن الحقيقة ، وهذا مايفرض الخبرة والتعمق بدراسة علم الطفل إلى جانب الموهبة الأساس في كل عمل إبداعي 0
فعن طريق معرفة حاجات الطفل واحتياجاته يستطيع أن يعرف الكاتب وفي كل مرحلة عمرية نوع الأدب الذي يحتاجه الطفل ونوع الموضوعات التي يجب أن يقرأها ويستفيد منها وهذا ما يدفع كاتب الأطفال إلى أن يتعمق في دراسة علم الاجتماع لأنه يضعه أمام طبيعة الظرف الاجتماعي الذي يعيشه الطفل ، مما يسهم في الكشف عن أسباب الطفولة ومسبباتها ، سواء أكانت سعيدة أم تعيسة ، وسبر الواقع الاجتماعي لكل طفولة ، يقدم للطفولة السعيدة مايلزمها ويرفعها في دروب النجاح والتألق ، والطفولة التعيسة ، فيرفعها في دروب الأمل والاجتهاد والعمل من أجل الخروج من ذلك الظرف الاجتماعي الذي وجد نفسه فيه بالرغم عنه ، ثم لابد بعد ذلك من امتلاك ناصية اللغة ، ومعرفة قاموس الطفل اللغوي وآفاقه ، لأنه وعن طريق اللغة تتشكل هوية الطفل الثقافية والمعرفية التي تلازمه طيلة حياته 0
ومن هذا المنطلق لا يعتقد كتبة هذا الأدب أنه بمقدورهم أن ينجحوا في كتابة نص طفلي متميز وملائم لمرحلة الطفل العمرية إذا لم يملكوا خصوصية معينة تؤهلهم للكتابة في هذا الجنس الأدبي بالذات ، ولعل من أهم ذلك : امتلاك المزايا السابقة جميعها إضافة إلى التدقيق في معرفة الشخصية الطفولية لكل مرحلة عمرية وهنا لابد من التأكيد على حضور الطفل الكامن في ذات المبدع لأن حضوره بشكله وواقعه الاجتماعي الحقيقي يفتح أمامه أبواب الفرح والسعادة التي تدفعه لأن يكتب للأطفال كل ماهو مفرح وسعيد ومفيد كما لايمكن تجاهل الثقافة المعمقة والمعززة في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية التي تساعد على فهم الطفولة وما يتوقع منها ، وما ينبثق عنها ، والتعامل معها دون الوقوع بأي خطأ معلوماتي أو لغوي ، وبالتالي تقديم النص الطفلي على أنساق منظومة القيم التي تعزز في نفس الطفل حب الخير والجمال والآخر وثقافة المقاومة والسلوك والعيب وحب الوطن والتضحية في سبيله 0
فهل استطاع كتبة هذا الجنس الأدبي الذي يُعد من أصعب الأجناس وأهمها ، أن يحققوا شيئاً من هذه القيم التي ترسخ أدب الطفولة المعني بأهم شريحة اجتماعية إنسانية تشكل عماد الوطن ، وأساس بنائه المستقبلي ؟
بالفعل لقد تمكن عدد ليس بالقليل من الأدباء الذين يكتبون للأطفال من الوصول إلى صياغة النص الطفلي المتميز الذي نعتز به ونفتخر ، بينما أخفق عدد آخر من تحقيق ذلك فكتبوا للأطفال من خارج ذواتهم وأنفسهم وخبرتهم التربوية المحدودة فسقطوا مع نصوصهم في قاع النسيان ، في الوقت الذي مازال فيه بعضهم في مراحل التجريب للكتابة للأطفال وفي التجريب غالباً مايخطىء المجرب أو يصيب 0
٭ محمد غازي التدمري
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....