ثقافة للجميع.. بخمسٍ وعشرين ليرة !!!
منوعات-الفداء
الثلاثاء : 7-12-2010
معاوية كوجان
لم يستطع الحاسوب ( الكمبيوتر) ومانتج عنه من فتوحاتٍ معرفيةٍ كالشابكة (الانترنيت) والأقراص الليزرية التي تختزن مئات الكتب والدواوين الشعرية والمعجمات اللغوية أن يحول دون نزوع الناس إلى مطالعة الكتاب وابتياعه واقتنائه ومحبته على الرغم من كثرة الوسائل الإعلامية كالمحطات التلفازية الفضائية الكثيرة والمتنوعة. وقد خفّ إقبال الناس على شراء الكتب نتيجة غلاء أثمانها التي لاتتناسب مع متطلبات المعيشة وأعبائها وتكاليفها.
وقد ظُنَّ أن الكتاب فقد المغرَمين به النزَّاعين إلى قراءته وامتلاكه والمباهاة بوجوده في المكتبات الخاصة بهؤلاء القرّاء الذين شغفتهم المطالعة والقراءة حباً . بيد أن ذلك تلاشى تصوُّره بإجراءٍ عمد إليه اتحاد الكتّاب العرب في سورية قضى بتخفيض سعر الكتاب الصادر عن الاتحاد منذ عام 2005 وماقبل إلى مبلغ خمس وعشرين ليرة سورية بغضّ النظر عن سعر غلافه ولو كان سبعمئة ليرة وعدد صفحاته ستمئة صفحة أو أكثر. وماحدث كان مثيراً للدهشة ؛ فقد تهافت محبّو الكتب والقراءة على فرع اتحاد الكتّاب في حماة لشراء مايروقهم من الإصدرات على اختلافها كمّاً ونوعاً, واتَّضح أن الناس مايزالون يحملون للكتاب في قلوبهم منزلة سامية وأن الحائل دون التواصل مع الكتاب هو غلاء ثمنه. ولقد سعدتُ بهذا بعد أن كدت أوقن أن حياتنا المادية – بما فيها من زخرفٍ ومصارف تصرفنا عن أن نحصّل العلم ونثقفَ المعرفة وتجرفنا إلى التسلية والتفكّه والترويح عن النفس – أصبحت بمنأىً عن أوهاج المعرفة والتماس العلم واستشفاف الروحانيات . إذاً, غلاء أثمان الكتب هو ماكان وماينفكُّ يقف عائقاً أمام إقبال الناس على اقتناء الكتب وقراءتها. ولعل في تخفيض اتحاد الكتّاب أسعار إصدارته نفعاً وخيراً للناس وللكتاب وللعلم وللثقافة والمعرفة. فبيع كميات كبيرة من الكتب بأسعار مخفضة جداً خير ألف مرة من بقائها في أقبية فروع اتحاد الكتّاب ومستودعاته يؤانسها غبار النسيان وتقرضها جرذان الإهمال. كان الكتاب صديق كل فرد في غابر الأيام وكان طلاب المدارس والجامعات يدأبون في الإقبال على مكتبات المراكز الثقافية لاستعارة الكتب وقراءتها والإفادة منها. ومرة أخرى أقول لم يستطع الحاسوب ( الكمبيوتر) أن يسلب من قلب محبّ القراءة والمطالعة حب اقتناء الكتاب؛ فللكتاب جماله شكلاً ورونقاً وتحس أن فيه روحاً ودماً يجعلانه يرافقك في بيتك وتحتضنه في غرفة نومك تقلّبه كيف تشاء وتتصفحه كما تريد وتأنس بما فيه من معارف وأخبار وطرائف وعلوم. ومثل هذه الخطوة التي خطاها اتحاد الكتّاب العرب مسبوقة بخطوة مماثلة قامت بها الشقيقة مصر منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً إذ طرحت مشروعاً ثقافياً كبيراً سمّته كما أذكر ( الثقافة للجميع) فطرحت في معارض كتب ضخمة إصدارات كثيرة ومتنوعة من الكتب القديمة والحديثة للبيع تشمل التراث الإنساني والعالمي والتراث العربي بسائر علومه وفنونه وآدابه بأثمان بخسة لاتتجاوز القروش. وأذكر أن جريدة أخبار الأدب المصرية نشرت تغطية لهذه التظاهرة الثقافية العظيمة وواظبت في أعدادٍ متلاحقة منها على نشر لوائح لعنوانات الكتب مشفوعة بأسعار بيعها. وأذكر أن كتاباً كرسالة الغفران والبخلاء وألف ليلة وليلة – على سبيل المثال- بيع بسعر يساوي في العملة السورية عشر ليرات سورية. وقد أقبل مئات الألوف من المصريين على شراء أعداد هائلة من الكتب فترى المواطن المصري يخرج من المعرض بمكتبة كاملة لم تكلفه في عملتنا سوى ثلاثة آلاف ليرة سورية. وأحب أن أروي طرفة في هذا الصدد. كنت مواظباً في نشأتي على شراء عدد من الصحف والمجلات العربية ومنها جريدة أخبار الأدب المصرية وكانت تُعنى بتغطية مشروع الثقافة للجميع فأرسلت رسالة إلى رئيس الهيئة العامة للكتاب في مصر الدكتور سمير سرحان طلبت إليه فيها تزويدي بالكتب الواردة عنواناتها في اللائحة المنشورة في جريدة ( أخبار الأدب). وكانت تزيد على ألف كتاب تقريباً وكنت أزمع شراءها وتحويل ثمنها بريدياً إلى مصر. فوجئت بنشر خبر موجّهٍ إليّ يقول بأن الهيئة العامة للكتاب تتشرف وتسرُّ بأن تقدّم لي الكتب الألف التي طلبت هدية مجانية وأن رئاسة الهيئة وجّهت بإرسالها إلى عنواني في سورية. فرحت بالخبر المنشور هذا فرح الضائع في بيداء بسارٍ يفزع إليه ويهتدي به إلى حيث يريد. انتظرت طويلاً وأرسلت للهيئة رسائل مساءلة عن الهدية المرتقبة وذهبت مراتٍ إلى قسم الطرود في مؤسسة البريد مستفهماً عن الإرسالية المأمولة دون جدوى . لم يصل شيء وأقنعت نفسي أخيراً بأن ذلك كان مزحة أو أن الكتب صدر أمر بإرسالها لكن الأمر لم ينفّذ أو نفِّذ لصالح أحدٍ غيري.
أيها السادة ماأجمل أن نقبل جميعاً على قراءة الكتب كما كنا في الماضي ننهل من معارفها ونحبب أولادنا بقراءتها ونزين بيوتنا بمكتباتنا الخاصة ليفيد أبناؤنا وأصدقاؤنا, وهنيئاً لاتحاد الكتّاب العرب في سورية هذا الإجراء الذكي وإلى ثقافةٍ واعية للجميع.
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....