حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
همسات |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
مخلص حمشو |
2011-01-31 |
حب الوطن |
 |
حب الوطن محمد مخلص حمشو
صلات مودة, ووشائج قربى كانت تربطني بصديق قديم مغترب, هتف إلي يرجوني بإقناع والده بالسفر إليه. وخاصة بعد أن بات وحيداً بعد وفاة زوجته وتشتُّت الأولاد, التقيت ذلك الوالد بعد فترة, وقد رأيت أن مركب العمر قد مضى به إلى الضفة الأخرى, وهبطت عليه الشيخوخة, سألته لماذا لا تلتحق وتعيش مع أحد أولادك يا عماه؟ وعلمي أنهم جميعاً يحبونك وأحوالهم جيدة فهم أصحاب شركات ويسكنون عواصم عالمية ؟ التفت إلي وقال : كل ما ذكرت لي من بلاد لا تساوي عندي حجراً من أحجار وطني, فأنا من المصابين بعشق الوطن, وقد استحكم بي هذا العشق والحب فبات ينتظم في أعماقي في سيمفونية خالدة تردد أصداء موسيقاها الرائعة كامل حواسي وفكري وروحي.
قلت له: ولكن بتَّ وحيداً وفي سن الشيخوخة فماذا تنتظر؟ أجاب بحسرة وقال : يا بني حين يتأمل المرء نفسه بمرارة, ويكتشف أنه يعيش في وحدة لا شفاء منها, وسأماً لا يغادره كوحش يقطع عليه كل وجود إنساني,. وحين تتتالى الصور التي سرعان ما تعكرها الدموع يكتشف أنه لا فائدة من الاستغراق بالصور فقد مضى درب الحياة, ووصل آخر المطاف مخلفاً وراءه ركاماً من الأيام,
وهنا قاطعته وقلت له: ما دمت على هذه الحالة , إذن فَلِمَ لا ترحل إلى أولادك؟ قال: ألم أقل لك إنه حب الوطن وحب التراب الذي سأدفن فيه بقرب أم الأولاد وآبائي وأجدادي.
يابني خذ عني: إن في كل مكان تعشقه روح تناجيك وتشتاق إليك تدعوك لتقترب منها إذا غادرتها وتفرح بك إذا التقيتها, كما أن لهذا المكان عبقاً وعطراً خاصاً يفوح منه, ولا تجده في سواه بين كل روائح الدنيا, فبقدر حبك للمكان يكون التصاقك به, فحب المكان هنا لأنه يلبي لك حاجات روحية لا تجدها في سواه.
فكيف تريدني أن أغادر بلدي؟ أما سمعت عن المعري حين أحضروا له شربة ماء كان قد اشتهاها من بلدة المعرة وكان في الغربة وقدموها له دون أن يدري مصدرها, ولما شربها هتف فرحاً هذا ماؤها, هذا ماؤها لكنه ما لبث أن بكى, ولما سألوه ما يبكيك وقد أحضرنا لك ماء من المعرة, قال: إذا كان هذا ماؤها فأين هواؤها, فالغربة يا ولدي ربما تقدم لك حاجات مادية بل ولربما هي الأفضل في ذلك, لكنها لا تستطيع أن تعوض أو تكون بديلاً عن الحاجات الروحية التي تجدها في وطنك.
وتريدني أن أرحل بعد هذا العمر!.
فاضت عيناه بدموع قد سارت بدروب على خديه, ثم أشاح بوجهه وقال :
إذا اتصلَّت بولدي سلم لي عليه !
|
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|