حالة الطقس في كفربو |
|
 |
الاستفتاء |
|
 |
عدد زوار الموقع 
|
همسات |
 |
|
 |
 |
 |
 |
 |
د. رضا رجب |
2011-01-31 |
الوفاء |
 |
الوفاء
د. رضا رجب
منوعات- الفداء
الخميس: 26-8-2010
كنتُ أكتبُ بهدوءٍ تامٍّ.. كأنَّ العاصفاتِ التي تحطِّمُ أشجارَ هذا العالم لاتمرُّ أمام قلبي.. وكنتُ أصغي إليَّ, وأنا لاأحسُّ بطعمِ الحرائق التي تلتهمُ ما على البيادر من سنابل وأجنحة عصافير وأسئلةِ جياعٍ لم يجدوا لها جواباً.
منذ سنينَ خلتْ.. وعلى شجرةِ القلبِ التي كنتُ أظنُّها باسقةً, وتتّسع لأحلامي وأسماءِ أصدقائي ومواعيد زيارات النساءِ العابثة بما كان هناك من نزقِ ومواقف محرجة.
كان ذلك يومَ بلغَ العمرَ أشدَّه, وكان عليَّ أن أصرخَ: وجدتُها! يومَ لم أجد شيئاً, وأن أقول : سمعتُ, يوم لم أسمع سوى ارتطام الذاكرةِ في قاعِ المرارة اللامتناهي.
وعلى جذعِ قصيدةٍ طويلةٍ كانت تنمو أغصان الحروف, وتتّسع الخضرة, فإذا هي اعترافاتٌ تحدّد للمعرفة مآزقها وللعرفان كلَله وكلالته في إرثٍ بات واضحاً أنَّه مجرَّد جثة هامدةٍ لمخلوقٍ لغويٍّ سمَّاه المعجم العربي ( الوفاء), ليحدّد صدى سلوكٍ يقومُ به التوائم من البشر تجاه بعضهم البعض.
قلت وقتها فيما قلت:
معطَّرُ الحقدِ قلبٌ أنتَ واترهُ طاغٍ هواهُ فما تُدمي أظافرهُ
وكم كان قريباً إلى قلبي ذلك المنادى, الذي كنتُ أظنُّ أنَّ الهلعَ سيحتلُّ كلَّ قطرة دمٍ فيه, ويأتي تائباً ومعاتباً.
لكأنّني في ذروة الوجد كنتُ أكتشفُ بحدْسِ الشَّاعر أنَّ الرَّمادَ لايعيدُ إليه النَّفخُ ناراً, فإذا بي أتابع العزف على وترِ الجراحِ لأختمَ القصيدة بالقول:
واضيعةَ العمرِ! أغرتنا أوائله بالنّعمياتِ.. وخانتنا أواخرهُ
ولكأنّني كنتُ أحسُّ أنَّ الآخر المنتصر هو أشدُّ منّي خسارةً ومرارةً هزيمةٍ, وأنا أسترجعُ كفقراءِ اليهودِ دفاتري القديمة لأرى محطَّاتِ ربحٍ أصرخُ معها مرَّةً أخرى: إنَّه حصادُ الرِّيح ليس غير.
قال الشاعرُ الجاهلي منذ حوالي خمسة عشر قرناً:
ونبكي حين نقتلكمْ عليكمْ ونقتلكمْ كأنَّا لانُبالي
وهل أضاف السلوك العربيُّ منفرداً ومجموعاً شيئاً على هذه المعادلة التي كانت اعترافاً شعريّاً لما كان في كلّ ماسيكون ؟
وتساءلتُ : هل أنا أبعثُ برسالةٍ؟ وماذا سأحصدُ؟ وماذا أستفيدُ إذا ازداد عدد الشَّاتمينَ والشَّامتين ؟ وبين ( شتم) و( شمتَ) إخاءَ حروفٍ لفعل ثلاثيٍّ تدحرجت التاء فسبقت الميم تارة وتأخَّرت عنها تارة أخرى فإذا الدّلالة واحدة ولايتورَّع شامتٌ عن الشَّتيمة بكلِّ تأكيد, بل يكملُ بها نصف دينهِ على الأقلّ.
حاولتُ آلاف المرَّات أنْ أحدّد مدلولَ الوفاءِ وماهيَّته ومظاهرَه, فلم أزد على أن ازددتُ حيرة وقلقاً, وإذا كنتُ أعترفُ أنَّ الحيرة والقلق أهم مصدرين لصياغة القصيدة التي كانت أقلَّ مكوّنات الوجود غدراً وأكثرها وفاءً فآنئذٍ أعزّي النَّفس باليأس الجميل كاللون الأسودِ الذي يبدو في كثيرٍ من الحالاتِ أكثرَ الألوان جمالاً وإظهاراً لتفاصيل الخلقةِ في أبهى مظاهرها.
كنتُ أريدُ أن أنقلَ إليكَ ماعلقَ في الذّاكرة من ترجمةٍ عربية لقصيدةٍ شهيرة للشاعر الانكليزي توماس هاردي لترى أنَّ تجارب الوفاء تتشابه بين مخلوقاتٍ جعلها الخالق شعوباً وقبائل لتتعارفَ, ومافعلت.
وألحَّ علي شيطانُ وادي عبقرَ, الذي طالما قدّمت رمالُه النوعية للذائقة العربية مايفوق التِّبرَ السبيكَ, فكانت هذه العجالة:
تجيءُ أو لاتجيءُ فأنتَ منّي بريءُ
أحسنتَ في كلِّ شيءٍ بهِ إليَّ تُسيءُ
أنا وأنتَ كلانا بجرحهِ يستضيءُ
قلبي كقلبكَ خاوٍ وبالذُّهولِ مليءُ
فهل تيممتَ مثلي حينَ استحالَ الوضوءُ؟
ماضرَّ لو قد سقانا هذا الغمامُ البطيءُ
العاصفاتُ أضافتْ مالايضيفُ الهدوءُ
وبي وفاءٌ كثيرٌ إليكَ.. حينَ تفيءُ
|
|
 |
 |
 |
 |
 |
 |
 |
|
|