شارد الذهن يتمشّى في الحديقة
أفكاره كثيرة..
منها ما يقوّي العزيمة ومنها ما يُضعفها
أراد أن يتحلّى بالشجاعة لكي يطرد عنه كلّ هذي الصعاب
إلّا أنّ محاولاته باءت بالفشل مرّة بعد مرّة ..
دمعتْ عيناه
وشحب لون وجهه
دُفِنتْ شفتاه في مجهول فمه
وتصبّب العرق من جبينه
فخاطب نفسه متسائلاً:
ماذا أنا بفاعل يا ترى؟؟
هل تضيع كلّ هذي السنين كطرفة عين وكلمحة نظر؟؟
أم أني أستهدي على الطريق الذي يقودني إلى ميناء الخلاص؟؟
قد اتّكلتُ على البشر
فما نالني منهم إلا الضرر..
فهذا يحبّكَ وآخر يحترمكَ
وآخر يموت من أجلكَ ولأجلكَ
آخر يعشقكَ وآخر يتمثّل بك وكأنك إلهٌ سرمديٌّ
و آخر...
و لكن أين هم جميعاً الآن؟؟
أين أخي؟
أين صديقي؟
أين رفيقي؟
أين نديمي؟
وأين..
وأين...
كانوا بالأمس واليوم قد رحلوا...
نعتوني بفاقد الذاكرة
أو المتناسي
نعم .
فأنا لا أملك ذاكرة جيدة وأنسى الأحداث بسرعة فائقة
وأجاهد كثيراً ليعلق اسم جديد في ذهني
هكذا أنا..
ولكن...
لِمَ أذكر كلّ هذه الأشياء الآن؟؟
هل دُفِنَتْ تلك الأمور سابقاً لتعود و تولد من جديد الآن؟؟؟
أم أني أنا مَنْ دفنها وآن لها القيام؟؟
أغمضْتُ عينيَّ لأتجاهل كلّ هذا..
ثم فتحتهما من جديد فلم أرَ سوى الكنيسة أمامي ..
آآآآآآه..
أحسسْتُ بثقل كبير على صدري وجفَّ حلقي
فتوجّهتُ إليها مسرعاً كما يركض الطفل نحو أمه بعد فراق
تدفعني لهفتي..
دخلتُ..
ولكني ترددتُ..
كيف أدخل وما يجول في فكري هو الهروب...
هو الانفصال...
هو النزوح...
كيف أدخل ومَنْ سأقابله فيها قد حنثتُ بوعدي له؟
لا..
قلتُ هذا وهممْتُ بالخروج
ولكنّ شيئاً كبّلني وسمّرني عند الباب
فأذعنْتُ للأمر ودخلْتُ مطأطئاً رأسي
و مُسدِلاً كتفيّ كجنديٍّ منهكٍ من معركةٍ ضاريةٍ
دخلتُ وجلستُ في المقعد الأول
لم أتكلّم ..
ولن أتكلّم ..
بل سأصغي علّه يكلّمني
في هذه الأثناء، و بينما تتراوح الأفكار وتجول في رأسي
سمعتُ صوتاً رقيقاً إلى جانبي، فقلتُ:
إنه يكلّمني ..
نظرتُ وإذ بامرأة مسنّة، عجوز، هرِمة، حانية الظهر
لم أستطع أن أميّز ملامح وجهها جيّداً لأن النوافذ كانت خلفها
فحجبتْ أشعة الشمس ملامحها عن ناظريّ
قالت: مرحبا
فأجبتُ: أهلا
قالت بلهجة عاميّة: أنت الأبونا؟؟
تلعثمتُ وترددتُ ولكن أجبتُ بصوت مخنوق:
نعم يا سيدتي
قالت: إنها آخر زيارة لي إلى الكنيسة فربما أموت غداً
هلّا تفضلْتَ ومنحتَني القربان المقدٍّس؟
فأجبتُ : نعم سيدتي، لكِ ما تريدين..
وما إن تخطّيتُها حتى انهمرتْ الدموع من عينيّ
و كطفل رضيع أجهشْتُ بالبكاء
فبينما أنا أدخل بيتَه لأودّعه يرسل إليّ مَنْ لا أقوى على صدّهم
يرسل إليّ مَنْ يخبرني بحقيقتي..
لماذا أنا ؟؟؟
كثُرٌ هم..
لِمَ أنا من بينهم جميعاً ؟؟؟
جمعتُ بعضي و عدتُ إليها مبتسماً وقرّبتُها
فقالت: شكراً لكَ يا ولدي ..
هل لي أن أقبّل يديكَ لأنهما حملتا جسد الرب؟؟
لا يمكنني الآن تفسير وشرح شعوري وإحساسي
أَهو حزن؟
أم أسى؟
أم يأس؟
أم فرح؟
أم موت؟
أم قيامة؟
لا أدري ...
ربما كل هذه الأمور مجتمعة
ولكني رفضْتُ طلبها
وقبّلتُها على جبينها وقلتُ:
لي رجاء عندكِ..
صلّي لأجلي....
تعديل / حذف المشاركة
2013-09-29
الوجود المجروح والخريف
الوجود المجروح والخريف
مرة أخرى يتآكل الخريف مع انسياب نغمات منجيرته
ويهدأ النهر ويتلكأ في مجراه القديم
وتتصاعد زفرا....